للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بالمعروف بقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه ... إلى قوله ... وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً). اهـ. قلتُ وقول الجصاص رحمه الله (وترك تعظيمهم) فهذا حق وأما إكرامهم فهذا فيه نظر.

وقال ابن كثير رحمه الله: أي: إن حَرَصَا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: مُحسنًا إليهما، (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) يعني المؤمنين. انتهى.

وقد قال الله سبحانه فيما يختص بالأقارب الكفار (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.) وينبغي التنبه إلى أن الممنوع في هذه الآية باتفاق أهل العلم وإجماعهم هو المحبة الدينية , وأما المحبة لغير الدين فقد اختلف أهل العلم في ذك وسنورد هذا الخلاف بعد قليل ثم أنه لا تنافي ولا حرج بين البراء من الكفار لأجل كفرهم ومواصلتهم والبر بهم والإحسان إليهم لا سيما الوالدين والأقارب، وكيف يكون في الأمر تناقضٌ أو حرج وقد جاء من عند الله وفي كتابه، وهو القائل) وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (أي أن كتابه لا تناقض فيه بحال وقال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) , فالولاء للإسلام أعظم منزلة من منزلة البر وحسن الصحبة للكفار ولذلك يُضحي المسلم بذوي القرابة والنسب من الكفار عندما تتعارض مع مطالب العقيدة الإسلامية , وعلى هذا فلا موالاة للكفار في مصاحبة الزوجة أو الوالدين من غير المسلمين بالبر والمعروف لأن الموالاة للكفار مطلقاً إنما تكون بمساواتهم مع المؤمنين أو تنزيلهم منزلة أقرب من منزلة أهل الإسلام أو التنازل عن شيء من أحكام الإسلام استجلاباً لمودتهم وحصول رضاهم.

وبهذا يتبين بأن الإسلام لا يمنع من مصاحبة الوالدين بالمعروف، مع اختلاف العقيدة، وهذه المصاحبة ليست هي الموالاة المنهي عنها، لأن الموالاة هي محبة القلب وإرادة النصرة الدينية، وهي غير حاصلة في المصاحبة بالمعروف، لأن المصاحبة بالمعروف لا ترقى إلى درجة الموالاة، فلو وقف القريب الكافر في الصف المعادي للجماعة المسلمة، وأعلن الحرب عليها فعندئذ لا صلة ولا مصاحبة، ويتضح ذلك من قصة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول , فقد روى ابن جرير الطبري بسنده، عن ابن زياد قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله عبد الله بن أبي، فقال: ألا ترى ما يقول أبوك؟ قال ما يقول أبي؟ بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: يقول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال: فقد صدق والله يا رسول الله، أنت الأعز وهو الأذل، أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله، وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبر بوالده مني، ولئن كان يرضي الله ورسوله أن آتيهما برأسه لأتينهما به فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ... ، فلما قدموا المدينة قام عبد الله بن عبد الله بن أُبي على بابها بالسيف لأبيه وقال: أنت القائل (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)؟ أما والله لتعرفن العزة لك أو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ والله لا يأويك ظلها ولا تأويه أبداً إلا بإذن من الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا للخزرج ابني يمنعني بيتي

<<  <   >  >>