للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الإحصان , وانعدام هذين الشرطين يجعل الزواج بالكتابية باطلاً باتفاق المسلمين وبنص القرآن الكريم على ذلك.

وهنا يبقى السؤال المُشكل هل هنالك تعارض بين الولاء والبراء الشرعي بالصورة التي ذكرها العلماء من تحريم مودة الكفار وبين الإذن بالزواج من الكتابية ومعاشرتها بالمعروف والأمر ببر الوالدين المشركين وصلة الرحم الكافرة؟

أقول بدايةً لا يخفى على المسلم أن الشارع أوجب البر بالوالدين الكافرين وأمر بصلة الرحم الكافرة استحباباً وقيل رخَص فيها وأذن بالزواج من الكتابية المُحصنة العفيفة , وأهل العلم قد اتفقوا على أن الصلة والبر والإحسان الذي لا يستلزم التحابب والتوادد للأرحام الكفار وغيرهم مشروع باتفاق أهل العلم كالصلة بالمال وتفقد أحوالهم والنفقة عليهم والإعانة على نوائب الحق ومساعدة فقرائهم والمحتاجين منهم، وعيادة مرضاهم , واتباع جنائزهم، وقبول هداياهم، والإهداء لهم، وتهنئتهم في الأفراح، وتعزيتهم في الأحزان، وزيارتهم في منازلهم، وقبول دعوتهم، والدعاء لهم بالهداية، ومعاملتهم بالتي هي أحسن، وكل صلة ظاهرة تدل على الرحمة والإحسان لا المودة مشروعة وخاصة ما كان يُراد به وجه الله , وهذا مما أجمع عليه المسلمون ولا مخالف لذلك ممن لهم رأيٌ يُعتد به.

وعلى هذا فالبر بالوالدين الكافرين وصحبتهم في الدنيا معروفاً وصلة الرحم الكافرة والإحسان إليها والزواج من الكتابية المُحصنة العفيفة ومعاشرتها بالمعروف لا إشكال فيه شرعاً ألبته إلا أنه ينبغي أن يُعلم بأن مشروعية ما قررناه من التعامل بالإحسان والبر بالوالدين الكافرين وصحبتهما بالمعروف وصلة الرحم الكافرة والزواج من الكتابية المُحصنة العفيفة يكون دون موالاتهم الموالاة المطلقة وطاعتهم فيما يريدون من الشرك ومعصية الله تعالى أو شهودهم وهم على منكراتهم أو تعظيمهم على النحو المنهي عنه ويجب أن تكون الصلة والإحسان إليهم مع البراءة منهم على الوجه الشرعي لا سيما إذا تلبسوا بكفرهم , وقد أوجب الشرع البراء من المشركين والولاء لله سبحانه بأن يتبرأ الإنسان من كل ما تبرأ الله منه كما قال سبحانه وتعالى عن موقف إبراهيم عليه السلام من أبيه المشرك (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ) وقوله سبحانه (َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء) , وعن أبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول (إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين ولكن لهم رحم أبلها ببلالها) متفق عليه واللفظ للبخاري, وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصل ذوي رحمه وأقاربه من غير أن يُؤثرهم على من هو أفضل منهم, وقال الله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) , قال الجصاص في أحكام القرآن قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان. فيه نهي للمؤمنين عن موالاة الكفار ونصرتهم والاستنصار بهم وتفويض أمورهم إليهم، وإيجاب التبري منهم وترك تعظيمهم وإكرامهم، وسواء بين الآباء والإخوان في ذلك إلا أنه قد أُمر مع ذلك بالإحسان إلى الأب الكافر وصحبته

<<  <   >  >>