للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

النهي عنه والزجر عن ملابسته والتوصية في التصلب في مجانبة المحادين ومباعدتهم والاحتراز من مخالطتهم ومعاشرتهم.

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: وردت هذه الآية الكريمة بلفظ الخبر: ((لا تَجِدُ قَوْمًا)) والمراد بها الإنشاء، وهذا للنهي البليغ والزجر العظيم عن موالاة أعداء الله، وإيراد الإنشاء بلفظ الخبر أقوى وأوكد من إيراده بلفظ الإنشاء كما هو معلوم بمحله ... انتهى.

وعلى كل حال الآية التي يحتج بها المُخالف ليس فيها دليل على جواز مودة غير المسلم، ولا تعارض بينها وبين الآيات السابقة، التي تحرم مودة غير المسلم ولو كان أقرب قريب، وكتاب الله يُصدق بعضه بعضاً، ولا يعارضه، وما يُشكل منه يُرد للمُحكم، كما هي طريقة الراسخين في العلم.

والذي يدل على أن المراد إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ هدايته لا من أحببت شخصه أن الآية مُحتملة وليست صريحة , والمُشكل المُحتمل يُرد للمُحكم الصريح , والصريح حرمة محبة الكفار كقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [سورة آل عمران: ١١٨] [٣٣]، وقالِ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة: ٢٤] [٣٤]، وقولِه: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [سورة هود: ١١٣] [٣٥]، وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة: ٢٢]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [سورة الممتحنة: ١].

وردوا على من قال (إنّ الإسلام أباح للمسلم الزواج بالكتابية، والحياة الزوجية يجب أن تقوم على السكون النفسي، والمودة، والرحمة، كما دل على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى} وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {فهذا يدل على أنّ مودة المسلم لغير المسلم لا حرج فيها، لأنّ التواد بين الزوج المسلم وزوجته الكتابية حاصل بما أودعه الله -تبارك وتعالى- في الزوجين من التواد، والتراحم بينهما, وكيف لا يواد الرجل زوجته إذا كانت كتابية؟ وكيف لا يواد الولد جده وجدته وخاله وخالته إذا كانت أمه ذمية؟ ولو كانت مودة الكافر محرمة ما شرع الله لنا الزواج من الكتابية التي لا تؤمن برسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا يدل على عدم الممانعة من حب الكافر المسالم ومودته، وأنّ ذلك لا يؤثر على العقيدة، وليس

<<  <   >  >>