للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني من الوجهين اللفظيين أن عائد الصلة يعود إلى موصول، فإذا عاد إلى "مَن" في قوله: (من أحببت) صار المراد من أحببته هو.

وأما ما لاحظ المؤلف فيما يظهر لي: أن المؤلف لاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يحب أبا طالب فالجواب عليه أن المحبة نوعان: محبة طبيعة، ومحبة شرعية.

فالمحبة الطبيعية لا تنافي المحبة الشرعية، فالشرعية قد تجتمع معها وقد تنفرد؛ فإذا كان المؤمن قريباً لك اجتمع فيه المحبتان، وإذا كان بعيداً منك وجد فيه محبة واحدة وهي الشرعية، فإذا كان قريب وهو غير مؤمن ففيه محبة واحدة وهي المحبة الطبيعية. اهـ).

وقد استدل أهل هذا المذهب بقوله تعالى في حق الوالدين المشركين اللذين يُجاهدا ابنهما على الشرك (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وقالوا أن مقتضى البغض في الله أن يبعد المسلم عمن يبغضه ويهجره ولا يصاحبه ولا يداخله ولا يباسطه والله عز وجل أمر بمصاحبة الوالدين المشركين في الدنيا معروفاً بل أذن بالزواج من الكتابية , وبقاء المسلم مع من يجب بغضه , فيه حرج كما هو معلوم وهو القائل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

وقالوا أيضاً أنه إذا تقرر إباحة البغض الفطري للمؤمن كما في قصة بغض زوجة ثابت بن قيس بن شماس لزوجها رضي الله عنه وكما في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع وحشي رضي الله عنه , فمن باب أولى إباحة المحبة الفطرية للكافر المعين.

وكذلك استدل أهل هذا المذهب على ما ذهبوا إليه بقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وهو استدلال ضمني بأنَّ الله نهى عن الإحسان إلى المحاربين وأَذِنَ بالصلة والإحسان لمن لم يحارب من الكفار فقال} لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ .... الآية {، وقوله هنا} أَن تَوَلَّوْهُمْ {في وصف المحاربين يدل على أنَّ غير المحاربين له نوع موالاة جائزة بالإحسان والمودة الجزئية ونحو ذلك، وهذا واضح بالمقابلة.). واستدلوا كذلك بأن البر والإحسان فيه قدر من المودة لا ينفك عنه , واستدلوا أيضاً بحديث رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صّلى الله عليه وسلّم، فاستفتيت رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: إنّ أمي قَدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال "نعم، صلي أمك". والصلة المراد بها في هذا الحديث أنها تكرمها إكرام الولد لوالده إذا قدم عليه، وهذا الإكرام لا يخلو؛ بل لابد فيه من مودة وارتياح وانبساط ومؤانسة , واستدلوا كذلك بقوله تعالى مخاطباً بعض المؤمنين الذين كانوا يواصلون بعض الكفار من أهل الكتاب لقرابة بينهم (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ) قال ابن الجوزي رحمه الله (قوله تعالى: {أَنتُمْ * أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ} قال ابن عباس: كان عامة الأنصار يواصلون اليهود ويواصلونهم، فلما أسلم الأنصار بغضهم اليهود، فنزلت هذه الآية.

<<  <   >  >>