للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كل وجه.

وهذه الآية من أقوى الأدلة القاطعة على استحالة الجمع بين الحب والبغض لذات الشيء بل الحب متوجه للذات، والبغض متوجه لصفة من صفات الذات، كما قررنا أن من قال إن المسلم يحب زوجته الكافرة من وجه ويكرهها من وجه أنه تكليف بما لا يطاق.

وقول المعترض ((إن الدواء يجتمع فيه الحب والبغض، فهو محبوب من وجه مبغوض من وجه، وهذا مثال يكرره أهل العلم كثيراً للتدليل على كيفية اجتماع الحب والبغض في شخص واحد.))

قلنا: لا يسلم له هذا، بل ذات الدواء مكروه للمريض أصلاً، ومحبته إنما لصفة من صفات الدواء وهي ما فيه من شفاء.

ومثله قول المعترض ((وكذلك فإن كل نفس تجد في داخلها كراهية السجن كراهية طبيعية، ولكن لما كان فيه مصلحة شرعية ليوسف –عليه السلام- صار أحب إليه شرعاً وإن كان يبغضه طبعاً، كما قال تعالى عن يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف:٣٣]))،

وهذا أيضا دليل عليهم فذات السجن مكروه ليوسف، ومحبته ليست للسجن بل لأمر خارج السجن وهو البعد عن المرأة المغوية، فذات السجن مكروهة ليوسف من كل وجه، ولولا ما تعلق به من مصلحة ليست من السجن أصلاً لم يحبه.

ومن الأدلة أيضاً على استحالة جمع بغض الزوجة الكافرة ومحبتها في القلب وأن من قرر ذلك فقد قرر أن الله يكلف بالمستحيل منها:

الدليل الأول: من الواجب على الزوج العدل بين زوجاته، ومن لم يعدل فهو آثم وظالم ومرتكب لكبيرة من الكبائر، ولهذا قال تعالى ((فإن لم تستطيعوا أن تعدلوا فواحدة))، ومع هذا فقد جاء في الحديث ((عَنْ عَائِشَة " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِم بَيْن نِسَائِهِ فَيَعْدِل وَيَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِك، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِك وَلَا أَمْلِك " قَالَ التِّرْمِذِيّ يَعْنِي بِهِ الْحُبّ وَالْمَوَدَّة، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ أَهْل الْعِلْم.

فالحديث بجموع طرقه حسن لغيره، وعليه فالرجل المسلم قد يحب إحدى زوجتيه أكثر من الأخرى، والشاهد من ذلك كله هو أننا نقرر أن أمر الحب والبغض أمر بيد الله لا طاقة للعبد في التحكم به، ولا يكلف الله عباده ما لا يطيقون، ولهذا لا يعاقب العبد على ميله القلبي لبعض زوجاته مع أنه مأمور شرعاً بالعدل بينهن، ومثله المرأة الكافرة لا يكلف الله زوجها ببغضها وهو أمر لا طاقة له به، بل البغض متوجه لصفة الكفر فيها لا لها، ولو كان يستطيع التحكم بذلك البغض لوجب أن يعدل بين زوجاته في الحب لأن ترك العدل في المعاملة والجور كبيرة من الكبائر.

الدليل الثاني: قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)) رواه مسلم

قوله ((لايفرك)) أي: لا يبغض، والشاهد من الحديث أنه لا يمكن الجمع بين الحب والبغض، ولهذا نص على بغض خلق منها، وأرشده إلى الاكتفاء بكره هذا

<<  <   >  >>