للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالحر والبرد والجوع والعطش وأما أن يضره العدو بما يبلغ به مراده فلا يكون.

وسر الفرق بين الضرر والأذى هو أن الأذى أخف من الضرر، ولا تلازم بينهما. وقد ورد إثبات الأذى في حق الله ورسوله في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} (٣). وفي حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام "يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وفي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل البصل والثوم والكراث، فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" (رواه البخاري ومسلم) (٤). فقد أثبت أن الملائكة تتأذى مما ذُكر مع أن ابن آدم لا يستطيع أن يُلحق الضرر بالملائكة. فالله سبحانه وتعالى يتأذى مما ذُكر في الحديث، وإن كان لا يمكن أن يلحقه ضرر من عباده، كما قال تعالى: {وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} الآية (٥) وقال في الحديث القدسي "يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضِّري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" رواه مسلم في (صحيحه) وغيره (١) من حديث أبي ذر، وقال تعالى: {وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئًا} الآية (٦). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: "ومن يعصهما -أي: الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يَضُرُّ إلا نفسَه، ولا يَضُرُّ الله شيئا" (٧).

قال ابن عثيمين رحمه الله في أحد شروحه ( ... وقوله: " لا يضرهم"، ولم يقل: لا يؤذيهم، لأن الأذية قد تحصل، لكن لا تضر، وفرق بين الضرر والأذى، ولهذا قال الله تعالي في الحديث القدسي: " يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني "، وقال سبحانه وتعالي: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ([الأحزاب: ٥٧]، وفي الحديث القدسي: " يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر"، فأثبت الأذي ونفى الضرر، وهذا ممكن، ألا تري الرجل يتأذي برائحة البصل ونحوه، ولا يتضرر بها .... انتهى).

وخلاصة القول هو أن الضرر أبلغ من الأذى فكل ضرر فهو بالضرورة يكون أذى وليس كل أذى يكون ضرر , والأذى قابل للصبر عليه أما الضرر فيجب دفعه بكل وسيلة ممكنة , والأذى لا يمنع المؤمن من سلوك صراط ربه المستقيم , وكل ضرر مؤقت يعقبه فلاح فهو في الحقيقة لا يُسمى ضرراً إلا من باب التجوز اللغوي ومن ذلك ما يصيب المؤمن من مصائب دنيوية عاقبتها الجزاء الأوفى عند ربه يوم القيامة.

- لا تعارض بين الثقة بالنفس والتوكل والتواضع:

<<  <   >  >>