ومنها: أن المراد بالسبيل الحجة، أي: ولن يجعل لهم عليهم حجة، ويبينه قوله تعالى: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا وهذا المعنى حق بلا ريب، والذي يظهر أن جميع المعاني السابقة كلها صحيحة ولا تعارض بينها.
السؤال الحادي عشر: ما تأويل ما خرجه الطبري فقال حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، حدثنا أبو حكيمة قال: سمعت أبَا عُثْمان النَّهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول، وهو يطوف بالكعبة: اللهم إن كنت كتبتَني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليَّ الذّنب والشِّقوة فامحُني وأثبتني في أهل السّعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أمّ الكتاب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما من حيث الثبوت وصحة الإسناد فلا يصح هذا الدعاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال محقق كتاب (الدعاء) الدكتور/ عبد العزيز بن سليمان البعيمي، الأستاذ المشارك بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: هذا الأثر فيه علتان موجبتان لتضعيفه، الأولى: ضعف عبد الرحمن بن إسحاق. والثانية: الانقطاع بين القاسم بن عبد الرحمن وبين جده عبد الله بن مسعود اهـ.
وكذلك من ناحية الدعاء نفسه وصحة معناه، فإنه لا يصح، لأن ما في أم الكتاب لا يمحى، على الصواب إن شاء الله؛ وإنما يكون المحو والإثبات في صحف الملائكة ونحوها ليوافق ما هو مكتوب في أم الكتاب.
قال العلامة السعدي:{يمحوا الله ما يشاء} من الأقدار {ويثبت} ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل، ولهذا قال:{وعنده أم الكتاب} أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها وهي فروع له وشعب. فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا