ونذكر أيضًا بما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. اهـ. والله أعلم.
السؤال العاشر: يتوهم بعض المسلمين وجود تناقض بين قوله تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (٨٧)} (البقرة)، وبين قوله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (١٧١) إنهم لهم المنصورون (١٧٢) وإن جندنا لهم الغالبون (١٧٣)} (الصافات)؛ حيث إن الموضع الأول يفيد أن بعض رسل بني إسرائيل قد قتلوا، وأن أعداءهم تمكنوا منهم وانتصروا عليهم، بينما الموضع الثاني يفيد أن رسل الله تعالى منصورون في الدنيا والآخرة.
ومثل ذلك قوله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ونحن نرى الكافرين يتسلطون على المؤمنين في بلادهم وأبدانهم وأموالهم وأهليهم , ... ويتساءلون: ما تأويل هذه الآيات الكريمة؟!
بدايةًً اعلم أخي المسلم أنه لا تعارض بين الآيات الواردة بنصرة المرسلين وبين ما وقع لهم من قتل، ويمكن التوفيق بين هذه الآيات بأحد الوجوه التالية:
١) ثباتهم على دينهم وعزيمتهم على الرشد.
٢) نصرتهم بالحجة والبرهان على أعدائهم.
٣) أن الرسل قسمان: قسم أُمر بالجهاد، فهؤلاء نصرهم الله بالظفر على الأعداء، وقسم لم يُؤمر بالجهاد وأُمر بالصبر، وهؤلاء نُصروا بالحجة الظاهرة وهذه النصرة ثابته لجميع المرسلين والأنبياء والمؤمنين.
٤) أن الحكم بنصر الرسل هو الأغلب، فلا مانع من أن يكون فيهم من لا يُنصر على عدوه.
٥) أن جميع الرسل منصورون، بعضهم يكون بالظفر على العدو، وبعضهم يكون بالانتقام لهم من أعدائهم الذين آذوهم أو قتلوهم سواء كان انتقاماً حسياً أو معنوياً.
التفصيل:
يمكن التوفيق بين الآيات بواحد من هذه المعاني الخمسة وقد تكون جميعها مقصودة إذ لا تعارض بينها:
المعنى الأول: هو انتصار دعوتهم وظهور الدين وثباتهم على الأمر وعزيمتهم على الرشد، والله - سبحانه وتعالى - إنما بعث الرسل ودعى أتباعهم لإخلاص الدين له وللدعوة إلى عبادته وإعلاء كلمته وإظهار دينه، لا للدعوة إلى أنفسهم، وهو - سبحانه وتعالى - حين وعدهم النصر والغلبة، لم يعدهم كذلك لأجل أشخاصهم، وإنما وعدهم لأجل ما يحملونه من دعوة حق، ومنهاج شريعة من عنده، فبقاء دعوة الحق وانتشارها، ووجود من يحملها نصر لها وللداعي إليها، وإن كان قد مات أو قُتل ذلك الداعي.