من تسليطنا بختنصر عليهم حتى انتصرنا به من قتله له وكانتصارنا لعيسى من مريدي قتله بالروم حتى أهلكناهم بهم، فهذا أحد وجهيه. وقد كان بعض أهل التأويل يوجه معنى ذلك إلى هذا الوجه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن الفضل قال: ثنا أسباط، عن السدي قول الله:(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا قد كانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون، وذلك أن تلك الأمة التي تفعل ذلك بالأنبياء والمؤمنين لا تذهب حتى يبعث الله قوما فينتصر بهم لأولئك الذين قتلوا منهم. والوجه الآخر: أن يكون هذا الكلام على وجه الخبر عن الجميع من الرسل والمؤمنين، والمراد واحد، فيكون تأويل الكلام حينئذ: إنا لننصر رسولنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا به في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، كما بينا فيما مضى أن العرب تخرج الخبر بلفظ الجميع، والمراد واحد إذا لم تنصب للخبر شخصا بعينه ... انتهى).
وأما وجه الجمع بين قوله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وبين ما نرى في الواقع وهو أن المسلمين يُسامون سوء العذاب ويُضطهدون من الكفار:
قوله تعالى): ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (، في معنى هذه الآية أوجه للعلماء:
منها: أن المعنى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين يوم القيامة سبيلا، وهذا مروي عن علي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهم ويشهد له قوله في أول الآية: فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين الآية، وهو ظاهر. قال ابن عطية: وبه قال جميع أهل التأويل، كما نقله عنه القرطبي، وضعفه ابن العربي قائلاً أن آخر الآية غير مردود إلى أولها.
ومنها: أن المراد بأنه لا يجعل لهم على المؤمنين سبيلا، يمحو به دولة المسلمين ويستأصلهم ويستبيح بيضتهم، كما ثبت في " صحيح مسلم " وغيره عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث ثوبان، أنه قال:" وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن الله قد أعطاني لأمتي ذلك حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا "، ويدل لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا الآية، وقوله: وكان حقا علينا نصر المؤمنين , وقوله): وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا)، إلى غير ذلك من الآيات.
ومنها: أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلا شرعاً، فإن وجد فهو بخلاف الشرع. وهذا صحيح بلا شك.