وإِن رعيت الجدبة رعيتها بِقَدر الله .. قَال: فَجاء عبد الرحمن بن عوف وكَان متغيبا في بعض حاجته فقال: إِن عندي في هذا علما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إِذَا سمعتم به بِأرض فلا تقدموا عليه وإِذا وقَع بأرض وأنتم بها فَلا تخرجوا فرارا منه قَال: فَحمد الله عمر ثم انصرف .. " رواه البخاري ..
وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي - صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير، وبيده عود ينكت به الأرض، فقال: " ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة أو النار، فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال لا، بل اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فمن كان من أهل السعادة فيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاء فيصير إلى عمل أهل الشقاء، ثم تلا قوله تعالى:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)" .. فهناك ثلاثة أشياء هي أسباب مبذولة من العبد:[فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ] فهذه الثلاثة المفروض على العبد أن يفعلها، إذا بذل العبد هذه الثلاثة سيأخذ النتيجة [فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى]
الإشكال أن الجماعة التي أتت بعد الصحابة أنهم فصلوا السبب عن القدر , فالسبب جزء من القدر ليس السبب في ناحية والقدر في ناحية , وفي هذا قال ابن تيمية - رحمه الله -: " وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء، فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر .. ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول " ..
فما فعله العبد باختياره، لا يسوغ له الاحتجاج بالقدر، وماكان خارجاً عن إرادته واختياره كالمصائب مثلاً فيسوغ له الاحتجاج بالقدر .. لهذا حجّ آدم موسى حينما احتج بالقدر على المصيبة وهي " الإخراج من الجنة "، ولم يحتج به على الذنب وهو " الأكل من الشجرة " .. في الحديث المروي في صحيح مسلم: " احتج آدم وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، ثم تلومني على أمر قد قدّر علي قبل أن أخلق؟ فحج آدمُ موسى" (أي: غلبه في الحجة) ..
فـ " آدم لم يحتج بالقضاء والقدر عَلَى الذنب، وهو كَانَ أعلم بربه وذنبه؛ بل آحاد بنيه من المؤمنين لا يحتج بالقدر، فإنه باطل، وموسى عَلَيْهِ السَّلام كَانَ أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم آدم عَلَى ذنب قد تاب منه وتاب الله عليه واجتباه وهداه، وإنما وقع اللوم عَلَى المصيبة التي أخرجت أولاده من الجنة، فاحتج آدم بالقدر عَلَى المصيبة لا عَلَى الخطيئة، فإن القدر يحتج به عند المصائب لا عند المعايب، وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث، فما قدر من المصائب يجب الاستسلام له، فإنه