للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضَلَالاً بَعِيداً (٦٠)} [النساء: آية ٦٠] فَعَجَّب نبيه كيف ادّعوا الإيمان وهم يريدون التحاكم إلى غير ما أنزل!! والكفار -مع أنهم كفرة فجرة يعبدون الأصنام- إذا غيروا تشاريع الله، واتبعوا تشريع الشيطان مخالفاً لشيء شرعه الله كان ذلك كفراً جديداً زائداً على كفرهم الأول، كما صرح الله بهذا في سورة التوبة في قوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: آية ٣٧] والمراد بالنسيء: تأخير الشهر الحرام؛ لأن النَّسْءَ في اللغة: التأخير. وربا النسأ: ربا التأخير. ونسأ الله في أجله: أخَّره وطول حياته. كانت ثلاثة من الشهور الحُرُم متوالية، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، فكانوا تطول عليهم ثلاثة أشهر متوالية لا يأكل بعضهم بعضاً، ولا يغير بعضهم على بعض، فكانوا يقولون: إنما نُنسئ الشهر الحرام ونؤخره!! فيحلون المحرم فيقاتلون فيه، ويؤخرونه إلى صفر، قال جل وعلا: {إِنَّمَا النَّسِيءُ} أي: تأخير الشهر الحرام، إحلاله وتحريم شهر آخر كان حلالاً تحليل لما حرمه الله، وتحريم لما أحله الله، قال في هذا: {زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله} ولإحلالهم ما حرم الله ازدادوا كفراً إلى كفرهم (١). وأول من نسأ من العرب: بنو فُقِيم من كنانة (٢)، وكان شاعرهم يقول في شعره المشهور (٣):

أَلسْنا النَّاسئين على مَعَدٍّ ... شُهُورَ الحِلِّ نجعلُها حَرَاما


(١) انظر: ابن جرير (١٤/ ٢٤٣).
(٢) انظر: السيرة لابن هشام ص٥٦.
(٣) لبيت لعمير بن قيس جَزْل الطّعَانِ، أحد بني فراس بن غَنْم، وهي في السيرة لابن هشام ص٥٦، البداية والنهاية (٢/ ٢٠٦ - ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>