للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ لبيدِ بنِ ربيعةَ أيضًا في رجزه (١):

لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الْفَلَاحِ ... لَنَالَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ

وقولُه: «مدركُ الفلاحِ» أي: مدرك البقاء في الدنيا بلا مَوْتٍ. ومنه بهذا المعنَى قولُ كعبِ بنِ زهيرٍ، أو الأضبطِ بنِ قريعٍ في الشعرِ المشهورِ (٢):

لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَةْ ... وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ

يعنِي أنه لا بقاءَ في الدنيا مع تخالفِ الإمساءِ والإصباحِ. وبهذين الْمَعْنَيَيْنِ اللذين هما البقاءُ السرمديُّ في النعيمِ، والفوزُ بالمطلوبِ الأكبرِ، بكلِّ واحدٍ منهما جاءَ تفسيرُ حديثِ الأذانِ والإقامةِ في قولِه: «حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ» فقال بعضُ العلماءِ: «حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ» هَلُمَّ إلى الفوزِ بالمطلوبِ الأكبرِ وهو الجنةُ وَرِضَى اللهِ؛ لأن أعظمَ أسبابِ ذلك: الصلاةُ.

القولُ الثاني: «حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ» هَلُمَّ إلى البقاءِ السرمديِّ في جناتِ النعيمِ؛ لأن أكبرَ أسبابِ ذلك: الصلاةُ كما هو معروفٌ فِي تفسيرِ حديثِ الأذانِ والإقامةِ. وهذا معنَى قولِه: {فَاذْكُرُوا آلاء الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: آية ٦٩] هذه عادةُ الرسلِ - صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم - بِعِظَمِ التذكيرِ، وشدةِ النصحِ، ولطافةِ الأسلوبِ، والاجتهادِ في هُدَى قومهم، ولكن الْهُدَى بيدِ اللهِ: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة: آية ٤١].


(١) مضى عند تفسير الآية (١١١) من سورة الأنعام.
(٢) تقدم هذا الشاهد عند تفسير الآية (٤٥) من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>