للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سورة القتال -سورة محمد- فهي لا تعارض هذا؛ لأن الله نهاهم فيها عن ابتداء طلب الصلح، وذلك لا ينافي إجابة الكفار إليه بعد أن طلبوه. ونعني بالآية المذكورة: قوله تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: الآية ٣٥] لأن آية القتال فيها النهي عن أن يكونوا هم البادئين بالدعاء إلى الصلح؛ لأن الداعي إلى الصلح يظهر من قرينة حاله أنه كأنه خائف، وأنه يحس بالغلبة فيريد الصلح. أما القوي الآمن الذي لا يظن أنه مغلوب فلا داعي له إلى طلب الصلح. فلا معارضة بين الآيتين. وهذا معنى قوله: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ} أي: إن مال الكفار إلى الصلح فاجنح لها.

أما قراءة: {فَاجْنُحْ لَهَا} فهي شاذة وليست من القراءات السبعية (١). أي: فَمِل إليها ووافقهم على ذلك {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} يعني: إن صالحتهم فلا تخف مما يدبّرون لك من المكر والغدر والحيل في مدّة تلك المصالحة، لا تهتم بذلك {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} ثق إليه، وفوِّض إليه جميع أمورك، فإنه (جل وعلا) يكفيك {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: الآية ٣] وهذا معنى قوله: {فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} {إِنَّهُ} أي: الله {هُوَ السَّمِيعُ} لما يقولونه من المنكر والغوائل التي يتربصونك بها في مدة الصلح {الْعَلِيم} بكل ما يبطنون ويضمرون من المكر والخديعة والحيل أثناء المدة التي صالحتهم فيها، فهو (جل وعلا) لا يفوته شيء مما قالوا ولا مما عملوا، فهو مطّلع عليهم وكافيكهم، لا تهتم بذلك، واجعل ثقتك بالله وتوكلك عليه، فإنه يكفيك.


(١) انظر: المحتسب (١/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>