للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- وهو تحريمُها - إنكم لَمُشْرِكُونَ.

وهذه الآيةُ الكريمةُ من سورةِ الأنعامِ هي عندَ علماءِ العربيةِ (١) مثالٌ لِحَذْفِ لامِ توطئةِ القسمِ، قالوا: والأصلُ: (ولئن أطعتموهم) فَحُذِفَتِ اللامُ الموطئةُ للقسمِ. قالوا: والقرينةُ على لامِ القسمِ: أنه لو كان الشرطُ وحدَه ليس مَعَهَ قَسَمٌ لَاقْتَرَنَتِ الجملةُ بالفاءِ، لقال: «وإن أطعتموهم فإنكم لمشركون» فَلَمَّا لم تَقْتَرِنْ بالفاءِ عَلِمْنَا أن عدمَ اقترانِها بالفاءِ لأنها جوابُ القسمِ المقدرِ المحذوفةُ لامُه، لقرينةِ عدمِ الفاءِ؛ ولأن الشرطَ إذا جاء معه القسمُ - يكون القسمُ قَبْلَهُ - ويكونُ الجوابُ والقسمُ، وَيُحْذَفُ جوابُ الشرطِ، كما هو معروفٌ في علمِ النحوِ (٢).

وإذا تَقَرَّرَ هذا فقد أقسمَ اللَّهُ - كما قُلْنَا - في هذه الآيةِ الكريمةِ على أَنَّ مَنْ أطاعَ الشيطانَ وَاتَّبَعَ تحليلَه مُخَالِفًا لتشريعِ اللَّهِ أنه مُشْرِكٌ، وهذا الشركُ شركُ ربوبيةٍ؛ لأن التشريعَ، والأمرَ والنهيَ للربِّ الخالقِ، فالشيطانُ أرادَ أن يشاركَ اللَّهَ في السُلطةِ العليا والأمرِ والنهيِ فَمَنِ اتَّبَعَهُ فكأنه جَعَلَهُ رَبًّا، وهذا الشركُ في قولِه: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} هو شركٌ أكبرُ مُخْرِجٌ عن ملةِ الإسلامِ، وَسَيُوَبِّخُ


(١) انظر: البحر المحيط (٤/ ٢١٣)، الدر المصون (٥/ ١٣٢)، الأضواء (٧/ ١٧٠).
(٢) المراد: أنه إذا اجتمع شرط وقسم، وكان القسم سابقا على الشرط، فالجواب للقسم، وجواب الشرط يكون محذوفا؛ لأن الجواب في هذه الحالة للسابق منهما. انظر: البحر المحيط (٤/ ٣٤٥)، ضياء السالك (٤/ ٥٣)، التوضيح والتكميل (٢/ ٣٢١)، النحو الوافي (٤/ ٤٨٦)، الدر المصون (٥/ ٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>