للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَلَّتْ على مصدرٍ، فهي في مَحَلِّ اسمٍ مُفْرَدٍ؛ لأنها إن فُتِحَتْ سَدَّتْ مَسَدَّ مصدرٍ، وهذا المصدرُ - طَبْعًا - معروفٌ أنه اسمٌ، و (لو) حرفَ شرطٍ، وَحُرُوفُ الشروطِ لا تَتَوَلَّى إلا الجملَ الفعليةَ، فَلِمَ تَوَلَّى حرفُ الشرطِ اسْمًا، وهو هذا المصدرُ المنسبكُ من (أن) وصلتِها؟ هذا وجهُ السؤالِ.

والجوابُ عنه: هو ما حَقَّقَهُ علماءُ العربيةِ: أن المصدرَ المنسبكَ من (أن) وصلتِها فاعلُ فِعْلٍ محذوف، والفعلَ المضمرَ هو الذي يَلِي حرفَ الشرطِ، وتقديرُ المعنى: لو ثَبَتَ كونُ ما ستطلبونَه عندي لَعَجَّلْتُهُ عليكم. ولم يكن بعدَه إلَاّ فِعْلٌ، والمصدرُ المنسبكُ من (أن) وصلتِها فاعلُ الفعلِ. هكذا يقولون (١).

{لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ} قضاءُ الأمرِ هنا كنايةٌ عن إنزالِ العذابِ عليهم واستراحتِه منهم.

وَمَنْ قَالَ: «إن قضاءَ الأمرِ هنا معناه ذبحُ الموتِ» (٢). فهو غلطٌ وَوَهْمٌ منه، لأن ذلك الذي معناه ذبحُ الموتِ هو في آيةِ مريمَ، وليس في هذه الآيةِ، وهو قولُه (جل وعلا) في أُخْرَيَاتِ مريمَ: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم: آية ٣٩] فقد ثَبَتَ في صحيحِ البخاريِّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تفسيرُ آيةِ مريمَ (٣) هذه: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ


(١) انظر: ضياء السالك (٤/ ٦٦).
(٢) انظر: ابن جرير (١١/ ٤٠٠).
(٣) البخاري، كتاب التفسير، باب (وأنذرهم يوم الحسرة) حديث رقم (٤٧٣٠)، (٨/ ٤٢٨)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون، حديث رقم (٢٨٤٩)، (٤/ ٢١٨٨)، وانظر: حديث رقم (٢٨٥٠) ولفظه عند البخاري: عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «يُؤتى بالموتِ كهيئةِ كبش أملَحَ، فيُنادي منادٍ: يا أهل الجنة فيَشرئِبُّون ويَنظُرون، فيقول: هل تَعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلُّهم قد رآه. ثم يُنادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلُّهم قد رآه. فيُذبَح. ثم يقول: يا أهلَ الجنة، خلودٌ فلا مَوت. ويا أهلَ النار، خلودٌ فلا موت. ثم قرأ: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} وهؤلاء في غفلةِ أهل الدنيا {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>