للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في العلمِ، إلا أن المُفَضَّلَ يَفْضُلُ فيه المُفَضَّلُ عليه. وَالْعِلْمُ بالظالمين: بأحوالِهم وما يَؤُولُونَ إليه، ووقتِ نزولِ العذابِ عليهم، هذا لا يُشَارِكُ اللَّهَ فيه أَحَدٌ، وهذا إنما يعلمُه اللَّهُ وحدَه؛ وَلِذَا يقولونَ: إنَّ صيغةَ (أَفْعَل) هنا بِمَعْنَى (الوصفِ) بِمَعْنَى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ، كقولِه: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} لأَنَّ هذه لا يُشَارِكُهُ فيها غيرُه، وقد تَقَرَّرَ في علمِ العربيةِ: أن صيغةَ (أَفْعَل) قد تأتي مُرَادًا بها الوصفُ من غيرِ إرادةِ التفضيلِ (١) وشواهدُ ذلك كثيرةٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ الشَّنْفَرَى (٢):

وَإِنْ مُدَّتِ الأَيْدِي إِلَى الزَّادِ لَمْ أَكُنْ بِأَعْجَلِهِمْ إِذْ أَجْشَعُ الْقَوْمِ أَعْجَلُ

يعني بـ (أجشع القوم): هو العَجِلُ منهم، وقولُ الفَرَزْدَقِ (٣):

إِنَّ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ

يعني عزيزةً طويلةً. وهذا أسلوبٌ معروفٌ في كلامِ العربِ.

يقولُ اللَّهُ جل وعلا: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: آية ٥٩].

ذَكَرَ بعضُ أهلِ العلمِ أن سَبَبَ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جاءه بَدَوِيٌّ فقال له: إِنِّي تَرَكْتُ امْرَأَتِي حُبْلَى، وتركتُ قَوْمِي في جَدْبٍ، فَأَخْبِرْنِي عَمَّا فِي بَطْنِ امْرَأَتِي: أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى؟ وَأَخْبِرْنِي عن الوقتِ الذي يأتِي فيه الغيثُ لِقَوْمِي فإنهم مُجْدِبُونَ. ثم


(١) المصدر السابق (٢/ ١٣٣).
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق (٢/ ١٣٤)، خزانة الأدب، (٣/ ٤٨٦)، وفيه: (سمك السماء).

<<  <  ج: ص:  >  >>