للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد يُفْقِرُهُ من حيثُ لَا يَشْعُرُ؛ لأن اللَّهَ بيدِه كُلُّ شَيْءٍ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} لا يعرفُ الإنسانُ المحلَّ الذي فيه قَبْرُهُ، وإن كان سَاكِنًا في محلٍّ وإذا كتبَ اللَّهُ أجلَه في محلٍّ لَا بُدَّ أن تكونَ له حاجةٌ إلى ذلك المحلِّ، فيذهبُ إليه لِيُدْرِكَهُ أَجَلُهُ فيه، وينفذَ قضاءُ اللَّهِ كما سَبَقَ في عِلْمِهِ الأَزَلِيِّ، وجاء بذلك حديثٌ عن جماعةٍ من أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أن اللَّهَ إذا كَتَبَ أن يموتَ رجلٌ في محلٍّ، لا بد أن يجعلَ له حاجةً إلى ذلك المحلِّ حتى يذهبَ إليه ويدركَه أَجَلُهُ فيه (١).

هذه مفاتحُ الغيبِ الخمسُ التي بَيَّنَ النبيُّ أنها معنَى هذه الآيةِ، وَخَيْرُ التَّفْسِيرِ تَفْسِيرُهُ - صلى الله عليه وسلم -.

وقد بَيَّنَ (جل وعلا) في آيةٍ عَامَّةٍ أن الغيبَ كُلَّهُ لَا يعلمُه إِلَاّ اللَّهُ، كما قال تعالى: {قُل لَاّ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: آية ٦٥] وقد بَيَّنَّا فيما مَضَى أمثلةً لمصداقِ هذه الآياتِ، وَبَيَّنَّا أن أعظمَ الخلقِ: الملائكةُ والرسلُ، والملائكةُ لَمَّا قَالَ لَهُمُ اللَّهُ: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ}؟ أَجَابُوا بِأَنْ قالوا: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَاّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: آية ٣٢] وقولُه: {لَا عِلْمَ لَنَا} النكرةُ فيه مَبْنِيَّةٌ مع (لا) والنكرةُ لَا تُبْنَى على الفتحِ مع


(١) أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٢٢٧)، والترمذي في السنن، كتاب القدر، باب: ما جاء أن النفس تموت حيث ما كُتب لها. حديث رقم (٢١٤٦)، (٤/ ٤٥٢)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وانظر: صحيح الترمذي (٢/ ٢٢٧)، المشكاة (١/ ٣٩). وأخرجه الترمذي أيضا من حديث أبي عزة (رضي الله عنه). انظر: السنن، حديث رقم (٢١٤٧)، (٤/ ٤٥٣)، وابن أبي حاتم (٤/ ١٣٠٣ - ١٣٠٤)، (٩/ ٣١٠٢) وانظر: صحيح الترمذي (٢/ ٢٢٧) ولفظ الحديث عند الترمذي: «إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة».

<<  <  ج: ص:  >  >>