للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صحيحِه، والمرادُ بِالْعَرَّافِ: هو مَنْ يَدَّعِي أنه يعرفُ موضعَ الضالةِ، وموضعَ الشيءِ المسروقِ وما جَرَى مَجْرَى ذلك، مع أن العَرَّافَ قد يدخلُ فيه الكاهنُ وَالْحَازِي وَالزَّاجِرُ (١).

وهذه أمورٌ كلها حرامٌ، وهي من أمورِ الشرِّ، فبعضُها يَكُونُ كُفْرًا. وما تجري به العادةُ في هذه البلادِ من أن الواحدَ يأتي للواحدِ هنا ويقولُ: ضَاعَتْ لنا شاةٌ أو جَفْرَةٌ، فَاعْرِفْ لي محلَّها بعرافةٍ أو بشيءٍ!! هذا من كبائرِ الذنوبِ، وصاحبُه لن تُقْبَلَ له صلاةٌ أربعينَ ليلةً على لسانِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، كما ثَبَتَ عنه في صحيحِ مسلمٍ. والسائلُ والمسؤولُ كِلَاهُمَا في غايةِ الضلالِ. فهذه أمورٌ لا تجوزُ، وكل هذا يدخلُ في الكهانةِ. فالكهانةُ والطَّرْقُ والزَّجْرُ والعرافةُ وما جَرَى مَجْرَى ذلك، كُلُّ هذا حَرَامٌ (٢)، ولا يجوزُ منه شيءٌ الزجرُ ولَا العيافةُ.

وَالْمُرَادُ بالعيافةِ: زَجْرُ الطيرِ، وادعاءُ أهلِها الَّذِينَ يَزْجُرُونَهَا أنهم يَعْرِفُونَ الْمُغَيَّبَاتِ، وَيَطَّلِعُونَ على الأمورِ من أحوالِ طيرانِ الطيورِ من أسمائِها وألوانِها وجهاتِها ومواقعِها التي تقعُ عليها. وهذا النوعُ من العيافةِ كان موجودًا عِنْدَ العربِ، ومما اشْتُهِرَ به من قبائلِ العربِ: بَنُو لِهْبٍ، حتى كان الشاعرُ يقولُ فيهم (٣):

خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلَا تَكُ مُلْغِيًا مَقَالَةَ لِهْبِيٍّ إِذَا الطَّيْرُ مَرَّتِ

والطَّرْقُ بعضُ العلماءِ يقولُ: هو الخطُّ الرَّمْلِيُّ الذي يَخُطُّونَهُ، وَيَدَّعُونَ به الاطلاعَ على الغيبِ. وبعضُهم يقولُ: هي حجارةٌ كان


(١) انظر: القرطبي (٧/ ٣)، الأضواء (٢/ ١٩٨).
(٢) انظر: الأضواء (٢/ ١٩٧).
(٣) البيت في ضياء السالك (١/ ١٣٦)، وانظر: المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (١/ ١٤٦)، وهو في الأضواء (٢/ ١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>