للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ» (١). وقد دَلَّ الكتابُ والسنةُ أن نفيَ الشفاعةِ المذكورَ هنا ليس على عُمُومِهِ (٢)، وأن للشفاعةِ تَفْصِيلاً، منها ما هو ثابتٌ شَرْعًا، ومنها ما هو مَنْفِيٌّ شَرْعًا (٣). أما المنفيُّ شَرْعًا الذي أَجْمَعَ عليه المسلمون فهو الشفاعةُ للكفارِ؛ لأن الكفارَ لا تنفعهم شفاعةٌ أَلْبَتَّةَ، كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: آية ٤٨]، وقال عنهم: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [الشعراء: آية ١٠٠]، وقال (جل وعلا): {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: آية ٢٨] مع أنه قال في الكافرِ: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: آية ٧]، فالشفاعةُ للكفارِ ممنوعةٌ شَرْعًا بإجماعِ المسلمين، ولم يقع في هذا استثناءٌ أَلْبَتَّةَ، إلا شفاعةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ أبي طالبٍ (٤)، فإنها نَفَعَتْهُ بأن نُقِلَ بسببها من محلٍّ من النارِ إلى محلٍّ أسهلَ منه، كما صَحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ

شَفَاعَتِي فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ (٥) مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، لَهُ نَعْلَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» (٦).


(١) أخرجه البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه، كتاب الزكاة، باب: التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، حديث رقم: (١٤٣٢)، (٣/ ٢٩٩)، وقد أخرجه البخاري في مواضع أخرى انظر: الأحاديث رقم: (٦٠٢٧، ٦٠٢٨، ٧٤٧٦)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب: استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام، حديث رقم: (٢٦٢٧)، (٤/ ٢٠٢٦).
(٢) انظر: ابن جرير (٢/ ٣٣)، القرطبي (١/ ٣٧٩)، أضواء البيان (١/ ٧٥).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (١/ ١٤٤ - ١٥٤، ٣٣٢).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى (١/ ١٤٤)، أضواء البيان (١/ ٧٦).
(٥) هو في اللغة. ما رقَّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين. انظر: مجمع بحار الأنوار للفتني (مادة: ضحضح) (٣/ ٣٨٦).
(٦) أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، كتاب مناقب الأنصار، باب: قصة أبي طالب، حديث رقم (٣٨٨٥)، (٧/ ١٩٣)، وأخرجه في موضع آخر، انظر: حديث رقم: (٦٥٦٤)، ومسلم: كتاب الإيمان باب: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه، حديث رقم: (٢١٠)، (١/ ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>