الاصوات.
نعم إن اتفق عند جلوسه فيه قضية أو قضيتان فلا بأس بفصلها (وحرم قبوله) أي القاضي (هدية من لا
ــ
يتميز عن غيره بفرش كمرتبة ووسادة وطيلسان وعمامة، وإن كان زاهدا متواضعا ليعرفه الناس، وليكون أهيب للخصوم وأرفق به، وأن يستقبل القبلة في جلوسه، لأنها أشرف الجهات، وأن يدعو عقب جلوسه بالتوفيق والسداد، والأولى أن يقول كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روته أم سلمة: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي.
وكان الشعبي يقوله إذا خرج إلى مجلس القضاء ويزيد فيه: أو أعتدي أو يعتدى علي.
اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وألزمني التقوى حتى لا أنطق إلا بالحق، ولا أقضي إلا بالعدل.
وأن يشاور الامناء والفقهاء عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الادلة، قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: * (وشاورهم في الامر) * قال الحسن البصري كان - صلى الله عليه وسلم - مستغنيا عن المشاورة، ولكن أراد الله أن تكون سنة للحكام.
وخرج بقولنا عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الادلة الحكم المعلوم بنص أو إجماع أو قياس جلي، فلا حاجة للمشاورة فيه.
وأن ينظر أولا في حال أهل الحبس، لانه
عذاب عليهم، فمن أقر بحق منهم فعل به مقتضاه، ومن ادعى منهم أنه مظلوم بالحبس طلب من خصمه حجة إن كان حاضرا، فإن لم يقمها صدق المحبوس بيمينه وأطلقه.
وإن كان غائبا كتب إليه ليحضر عاجلا هو أو وكيله، فإن لم يحضر صدقه بيمينه وأطلقه أيضا، لكن يحسن أن يأخذ منه كفيلا.
ثم بعد فراغه من النظر في حال المحبوسين، ينظر في حال الاوصياء، فمن ادعى منهم وصاية أثبتها عنده ببينة ثم يبحث عن حاله وتصرفه فيها، فمن وجده عدلا قويا أقره، ومن وجده فاسقا أو شك في عدالته، نزع المال منه ووضعه عند عدل.
ومن وجده عدلا ضعيفا قواه بمعين يضمه إليه.
ثم بعد ذلك ينظر في أمناء القاضي المنصوبين على المحاجير.
ثم في الوقف العام والمال والضال واللقطة، ويستحب أيضا أن يتخذ كاتبا للحاجة إليه، فإن القاضي قد لا يحسن الكتابة، وإن أحسنها فلا يتفرغ لها غالبا، ويشترط في الكاتب أن يكون عدلا لئلا يخون فيما يكتبه، حرا ذكرا عارفا بكتابة محاضر وسجلات وكتب حكمية، ليعلم كيفية ما يكتبه.
والمحاضر جمع محضر، وهو ما يكتب فيه حضر فلان وادعى على فلان بكذا، إلى آخر ما يقع من الخصمين من غير حكم، والسجلات جمع سجل، وهو ما يسجل فيه الحكم بعد الدعوى، ويحفظ في بيت القاضي، والكتب الحكمية هي المعروفة الآن بالحجج، وهو ما يكتب فيه ذلك ويكتب القاضي عليه خطه، ثم يعطى للخصم، وأن يتخذ له مترجمين يترجمان له كلام من لا يعرف لغته من خصم أو شاهد، وإن كان ثقيل السمع إتخذ مسمعين أيضا، بشرط أن يكون كل من المترجمين والمسمعين من أهل الشهادة، وأن يتخذ سجنا واسعا للتعزيز وأداء الحق، وأجرته على المسجون لشغله له، وأجرة السجان على صاحب الحق.
ودرة - بكسر الدال وفتح الراء المشددة - للتأديب بها، وأول من اتخذها سيدنا عمر رضي الله عنه، وكانت من نعل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت أهيب من سيف الحجاج، وما ضرب بها أحدا على ذنب وعاد إليه، بل يتوب منه.
(قوله: ويكره أن يتخذ المسجد إلخ) أي بلا عذر، فإن وجد عذر كشدة حر، أو برد، أو ريح، أو مطر، فلا يكره.
(قوله: صونا له) أي حفظا للمسجد.
(وقوله: من اللغط وارتفاع الاصوات) أي الواقعين بمجلس القضاء عادة وعطف إرتفاع الاصوات على اللغط من عطف التفسير.
(قوله: نعم إن اتفق عند جلوسه فيه) أي في المسجد لصلاة أو غيرها.
(وقوله: قضية الخ) فاعل اتفق.
(قوله: فلا بأس بفصلها) أي القضية: أي أو فصلهما - أي القضيتين - أي فلا يكره ذلك في المسجد، وعلى ذلك يحمل ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - وعن خلفائه من القضاء في المسجد.
ثم إن جلس في المسجد مع الكراهة أو دونها، منع الخصوم من الخوض فيه بالمخاصمة والمشاتمة ونحوهما.
ولا يدخلونه جميعا بل يقعدون خارجه، وينصب من يدخل عليه خصمين خصمين.
(قوله: وحرم قبوله إلخ) شروع فيما يحرم على
القاضي، وهو الهدية وما في معناها كالضيافة، والهبة، والعارية، إن كانت المنفعة تقابل بأجرة، كسكنى دار، وركوب دابة، بخلاف التي لا تقابل بأجرة كقطع بسكين، وغربلة بغربال، وكالصدقة، والزكاة على ما سيأتي فيهما.
(قوله: أي القاضي) خرج به المفتي والواعظ ومعلم القرآن، فلا يحرم عليهم قبول الهدية.
إذ ليس لهم رتبة الالزام، لكن ينبغي لهم
(١) سورة آل عمران، الاية: ١٥٩.