[باب الفرائض]
ــ
[باب الفرائض]
أخره عن العبادات والمعاملات لاضطرار الإنسان إليهما، أو إلى أحدهما، من حين ولادته دائما، أو غالبا، إلى موته، ولأنهما معلقان بإدامة الحياة السابقة على الموت.
ولما كان نصف العلم ناسب ذكره في نصب الكتاب والأصل فيها آيات المواريث، وأخبار، كخبر الصحيحين: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر وورد في الحث على تعلمها وتعليمها من الأخبار والآثار أشياء كثيرة، فمن الأول خبر تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يقضي بينهما رواه الحاكم وصحح إسناده، وخبر من علم فريضة كان كمن عتق عشر رقاب، ومن قطع ميراثا قطع الله ميراثه من الجنة، وخبر تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وإنه نصف العلم، وإنه أول علم ينزع من أمتي رواه ابن ماجه وغيره.
وسمي نصفا لتعلقه بالموت المقابل للحياة، وقيل النصف بمعنى الصنف كقول الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان: شامت، وآخر مثن بالذي كنت أصنع فإن المراد بالنصفين الصنفان، أي النوعان، وقيل غير ذلك.
ومن الثاني ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذ تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي واعلموا أن علم الفرائض يعرف بأنه فقه المواريث، وعلم الحساب الموصل إلى معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة.
فحقيقته مركبة من فقه المواريث وعلم الحساب الموصل إلى ما ذكر.
والمراد بفقه المواريث فهم مسائل قسمة التركات، وبعلم الحساب إدراك مسائل الحساب، وموضوعه التركات، وغايته معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة، والتركة ما خلفه الميت من مال أو حق، ويتعلق بها خمسة حقوق مرتبة، أولها الحق المتعلق بعين التركة، كالزكاة، والجناية، والرهن.
ثانيها: مؤن التجهيز بالمعروف.
ثالثها: الديون المرسلة في الذمة.
رابعها: الوصايا بالثلث فما دونه لأجنبي.
خامسها: الإرث.
وقد نظم ذلك ابن رسلان في زبده بقوله:
يبدأ من تركة الميت بحق كالرهن والزكاة بالعين اعتلق فمؤن التجهيز بالمعروف فدينه ثم الوصايا توفى من ثلث باقي الإرث الخ.
وصورة الرهن أن تكون التركة مرهونة بدين على الميت فيقتضي بها دينه مقدما على مؤن التجهيز وسائر الحقوق، وصورة الزكاة أن تتعلق الزكاة، فالنصاب ويكون النصاب باقيا، فتقدم الزكاة على سائر الحقوق والديون، فإن كان النصاب تالفا كانت من جملة الديون المرسلة في الذمة، وللإرث أركان، وشروط، وأسباب، وموانع.
فأركانه ثلاثة: وارث، ومورث، وحق موروث، وشروطه ثلاثة: تحقق حياة الوارث، وتحقق موت المورث، والعلم بجهة الإرث.
وأسبابه ثلاثة: وهي نكاح، وولاء، ونسب، كما قال في الرحبية: أسباب ميراث الورى ثلاثة كل يفيد ربه الوراثة وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب فالنكاح عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل وطئ ولا خلوة.
والولاء عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه.