بقبوله وعموم النفع به وبالاخلاص فيه ليكون ذخيرة لي إذا جاءت الطامة وسببا لرحمة الله الخاصة والعامة.
ــ
على أن المراد بمدلولها الاحتمال الثاني من الاحتمالين المارين عند قوله أعتقنا الله.
(وقوله: في هذا التأليف) أي الذي هو الشرح مع الاصل إذ كلاهما له.
(وقوله: وغيره) أي غير هذا التأليف من بقية مؤلفاته.
(وقوله: بقبوله) الاولى بقبولهما بضمير التثنية العائد على هذا التأليف وغيره، وإن كان يصح إرادة المذكور، ومثله يقال في الضمائر بعد.
(قوله: وعموم النفع به) مطعوف على قبوله، وإضافة عموم إلى ما بعده من إضافة الصفة للموصوف: أي ومن علي بالنفع العام به: أي إيصال الثواب بسببه لان النفع إيصال الخير للغير.
(قوله: وبالاخلاص فيه) معطوف على قبوله أيضا: أي ومن علي بالاخلاص فيه: أي من الامور التي تعوقه عن القبول كالرياء والسمعة وحب الشهرة والمحمدة.
(واعلم) أن مراتب الاخلاص ثلاث: الاولى: أن تعبد الله طلبا للثواب وهربا من العقاب، الثانية: أن تعبده لتتشرف بعبادته والنسبة إليه، والثالثة: أن تعبد الله لذاته لا لطمع في جنته ولا لهرب من ناره - وهي أعلاها - لانها مرتبة الصديقين، ولذلك قالت رابعة العدوية رضي الله عنها: كلهم يعبدوك من خوف نار ويرون النجاة حظا جزيلا أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا بقصور ويشربوا سلسبيلا ليس لي في الجنان والنار حظأنا لا أبتغي بحبي بديلا وكلامه صادق بكل من المراتب الثلاث، لكن بقطع النظر عن التعليل بعد، أما بالنظر إليه فيكون خاصا بالمرتبة الاولى.
(قوله: ليكون) أي ما ذكر من هذا التأليف وغيره، والمراد جزاؤه وهو علة طلبه من الله أن يمن عليه في هذا التأليف وغيره بالقبول الخ.
(وقوله: ذخيرة) أي ذخرا، وهو ما أعددته لوقت الحاجة من الشئ النفيس، والمراد به هنا جزاء هذا
التأليف وغيره على سبيل المجاز، فشبه جزاء هذا التأليف بالشئ النفيس المدخر إلى وقت الحاجة بجامع الانتفاع بكل.
(قوله: إذا جاءت الطامة) هي إسم من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لأنها تطم كل شئ: أي تعلوه لعظم هولها.
(قوله: وسببا) معطوف على ذخيرة، والسبب في الاصل الحبل قال تعالى: * (فليمدد بسبب إلى السماء) * ثم أطلق على كل شئ يتوصل به إلى أمر من الامور، فيكون مجازا بالاستعارة إن جعلت العلاقة المشابهة في التوصل في كل.
أو مجازا مرسلا إن جعلت علاقته الاطلاق والتقييد.
(قوله: لرحمة الله الخاصة) أي لعباده المؤمنين في الآخرة.
(وقوله: والعامة) أي في الدنيا لعباده المؤمنين والكافرين، وللطائعين والعاصين.
قال في حاشية الجمل: وفي الخطيب: ورحمتي وسعت كل شئ.
أي عمت وشملت كل شئ من خلقي في الدنيا، ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي، وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيحين: أن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية: غلبت غضبي وأما في الآخرة فقال: فسأكتبها للذين يتقون الخ.
اه.
الحاصل رحمة الله تعم البر والفاجر في الدنيا، وتخص المؤمنين في الآخرة.
(واعلم) أنه ينبغي لكل شخص أن يرحم أخاه عملا بحديث: الراحمون يرحمهم الرحمن.
قال كعب الأحبار: مكتوب في الإنجيل: يا ابن آدم كما ترحم كذلك ترحم، فكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباد الله؟ ومما يعزى لابن حجر رحمه الله تعال كما تقدم أول الكتاب: ارحم هديت جميع الخلق أنك ما رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما
(١) سورة الحج، الاية: ١٥.