رضى الله عنهم، (راجيا من) ربنا (الرحمن أن ينتفع به الاذكياء) أي العلاء، (وأن تقر به) بسببه (عيني غدا) أي اليوم الاخر (بالنظر إلى وجهه الكريم بكرة وعشيا) آمين.
ــ
ولما رحل الإمام السبكي - رضي الله عنه، مع جلالته - لزيارة الإمام في حياته وجده قد توفي فصار يبكي ويمرغ خده في محل جلوسه، ويقول: وفي دار الحديث لطيف معنى إلى بسط لها أصبو وآوي لعلي أن أنال بحر وجهي مكانا مسه قدم النواوي (قوله: والرافعي) نسبة لرافع بن خديج الصحابي رضي الله عنه، كما حكي عن خط الرافعي نفسه.
وكنيته أبو القاسم، واسمه عبد الكريم توفي سنة ثلاث أو أربع وعشرين وستمائة عن نيف وستين سنة.
وله كرامات، منها: أن شجرة عنب أضاءت له لفقد ما يسرجه وقت التصنيف.
(قوله: فمحققو المتأخرين) أي ومعتمدا على ما جزم به محققو المتأخرين، أي كشيخ الإسلام وابن حجر وابن زياد وغيرهم.
واعلم أنه سيذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - في باب القضاء أن المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان، فما جزم به النووي فالرافعي فما رجحه الأكثر فالأعلم والأورع.
ورأيت في فتاوي المرحوم بكرم الله الشيخ أحمد الدمياطي ما نصه: فإن قلت ما الذي يفتي به من الكتب وما المقدم منها ومن الشراح والحواشي، ككتب ابن حجر والرمليين وشيخ الإسلام والخطيب وابن قاسم والمحلى والزيادي والشبر املسي وابن زياد اليمني والقليوبي والشيخ خضر وغيرهم، فهل كتبهم معتمدة أو لا، وهل يجوز الأخذ بقول كل من المذكورين إذا اختلفوا أو لا؟ وإذا اختلفت كتب ابن حجر فما الذي يقدم منها؟ وهل يجوز العلم بالقول الضعيف والإفتاء به، والعمل بالقول المرجوح، أو خلاف الأصح، أو خلاف الأوجه، أو خلاف المتجه، أو لا؟ الجواب - كما يؤخذ من أجوبة العلامة الشيخ سعيد بن محمد سنبل المكي، والعمدة عليه -: كل هذه الكتب معتمدة ومعول عليها، لكن مع مراعاة تقديم بعضها على بعض، والأخذ في العمل للنفس يجوز بالكل.
وأما الإفتاء فيقدم منها عند الاختلاف التحفة والنهاية، فإن اختلفا فيخير المفتي بينهما إن لم يكن أهلا للترجيح، فإن كان أهلا له ففتى بالراجح.
ثم بعد ذلك شيخ الإسلام في شرحه الصغير على البهجة، ثم شرح المنهج له، لكن فيه مسائل ضعيفة.
فإن اختلفت كتب ابن حجر مع بعضها فالمقدم أولا التحفة، ثم فتح الجواد ثم الإمداد، ثم الفتاوي وشرح العباب سواء، لكن يقدم عليهما شرح بافضل.
وحواشي المتأخرين غالبا موافقة للرملي، فالفتوى بها معتبرة، فإن خالفت التحفة والنهاية فلا يعول عليها.
وأعمد أهل الحواشي: الزيادي ثم ابن قاسم ثم عميرة ثم بقيتهم، لكن لا يؤخذ بما خالفوا فيه أصول المذهب، كقول بعضهم: ولو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها صح الوقوف عليها.
وليس كما قال.
وأما الأقوال الضعيفة
فيجوز العمل بها في حق النفس لا في حق الغير، ما لم يشتد ضعفها، ولا يجوز الإفتاء ولا الحكم بها.
والقول الضعيف - شامل لخلاف الأصح وخلاف المعتمد وخلاف الأوجه وخلاف المتجه.
وأما خلاف الصحيح فالغالب أنه يكون فاسدا لا يجوز الأخذ به، ومع هذا كله فلا يجوز للمفتي أن يفتي حتى يأخذ العلم بالتعلم من أهله المتقين له العارفين به.
وأما مجرد الأخذ من الكتب من غير أخذ عمن ذكر فلا يجوز، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما العلم بالتعلم.
ومع ذلك لا بد من فهم ثاقب ورأي صائب، فعلى من أراد الفتوى أن يعتني بالتعلم غاية الاعتناء.
اه.
(قوله: تقر) بكسر القاف وفتحها، كما تقدم.
(قوله: بالنظر إلى وجهه الكريم) متعلق بتقر.
واعلم أن رؤية الباري جل وعلا جائزة عقلا، دنيا وأخرى، لأنه سبحانه وتعالى موجود وكل موجود يصح أن يرى.
فالباري جل وعلا يصح أن يرى، ولسؤال سيدنا موسى إياها حيث قال: * (أرني أنظر إليك) * فإنها لو كانت مستحيلة ما سألها سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يجوز على أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الجهل بشئ من أحكام