فيكفر جاحدها.
ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد (ص)، وفرضت ليلة الاسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر، ليلة سبع وعشرين من رجب، ولم تجب صبح يوم تلك الليلة لعدم العلم بكيفيتها.
(إنما تجب المكتوبة) أي الصلوات الخمس (على) كل (مسلم مكلف) أي بالغ عاقل، ذكر أو غيره، (طاهر) فلا تجب على كافر أصلي وصبي ومجنون ومغمى عليه وسكران بلا تعد، لعدم تكليفهم، ولا على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما، ولا قضاء عليهما.
بل تجب على مرتد ومتعد بسكر (ويقتل) أي (المسلم)
ــ
وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة، وقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: أخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.
والحكمة في كون المكتوبات سبع عشرة ركعة أن زمن اليقظة من اليوم والليلة سبع عشرة ساعة غالبا، اثنا عشر في النهار، ونحو ثلاث ساعات من الغروب، وساعتين من قبيل الفجر، فجعل لكل ساعة ركعة جبرا لما يقع فيها من التقصير.
(قوله: ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد) أي بل كانت متفرقة في الأنبياء.
فالصبح
صلاة آدم، والظهر صلاة داود، والعصر صلاة سليمان، والمغرب صلاة يعقوب، والعشاء صلاة يونس، كما سيذكره الشارح في مبحث أوقات الصلاة عن الرافعي.
(قوله: وفرضت ليلة الإسراء) والحكمة في وقوع فرضها تلك الليلة أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدس ظاهرا وباطنا، حيث غسل بماء زمزم، وملئ بالإيمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهر، ناسب ذلك أن تفرض فيها.
ولم تكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الأمر به من قيام الليل من غير تحديد.
وذهب بعضهم إلى أنها كانت مفروضة، ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي.
ونقل الشافعي عن بعض أهل العلم أنها كانت مفروضة ثم نسخت.
اه بجيرمي بتصرف.
(قوله: لعدم العلم بكيفيتها) أي وأصل الوجوب كان معلقا على العلم بالكيفية.
وهنا توجيه آخر لعدم وجوب صبح ذلك اليوم، وهو أن الخمس إنما وجبت على وجه الابتداء بالظهر، أي أنها وجبت من ظهر ذلك اليوم.
اه سم بتصرف.
(قوله: إنما تجب المكتوبة) شروع في بيان من تجب عليه الصلاة وما يترتب عليه إذا تركها.
(قوله: على كل مسلم) أي ولو فيما مضى، فدخل المرتد.
(قوله: أي بالغ) سواء كان بالسن، أو بالاحتلام، أو بالحيض.
(قوله: فلا تجب على كافر) تفريع على المفهوم، والمنفي إنما هو وجوب المطالبة منا بها في الدنيا، فلا ينافي أنها تجب عليه وجوب عقاب عليها في الدار الآخرة عقابا زائدا على عقاب الكفر لأنه مخاطب بفروع الشريعة، وذلك لتمكنه منها بالإسلام، ولنص: * (لم نك من المصلين) * وإنما لم يجب القضاء عليه إذا أسلم ترغيبا له في الإسلام، ولقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (قوله: بلا تعد) قيد في المجنون والمغمى عليه والسكران، وإن كان ظاهر كلامه أنه قيد في الأخير، فإن حصل منهم تعد وجب عليهم قضاؤها، لأنهم بتعديهم صاروا في حكم المكلفين، فكأنه توجه عليهم الأداء فوجب القضاء نظرا لذلك.
(قوله: بل تجب على مرتد) أي فيلزمه قضاء ما فاته فيها بعد إسلامه تغليظا عليه، ولأنه التزمها بالإسلام، فلا تسقط عنه بالجحود كحق الآدمي.
(قوله: ومتعد بسكر) أي أو جنون أو إغماء، لما تقدم آنفا.
(قوله: ويقتل إلخ) لخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله.
واعلم أن الفقهاء اختلفوا في موضع ذكر حكم تارك الصلاة، فمنهم من ذكره عقب فصل المرتد، لمناسبته له من جهة أنه يكون حكمه حكم المرتد إذا تركها جاحدا لوجوبها.
ومنهم من ذكره عقب الجنائز، لمناسبته لها من جهة أنه إذا قتل يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، إن كان تركها كسلا.
وهذه الأمور تذكر في الجنائز.
ومنهم من ذكره قبلها، كالنووي في منهاجه، وكشيخ الإسلام في منهجه، ليكون كالخاتمة لكتاب الصلاة.
ومنهم من ذكره قبل الأذان، لمناسبة ذكر
حكم تركها الذي هو التحريم، بعد ذكر حكم فعلها الذي هو الوجوب.
والمؤلف رحمه الله تعالى اختار هذا الأخير لما ذكر.