للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للشمس يوم عرفة، وهو تاسع ذي الحجة، (و) بين طلوع (فجر) يوم (نحر).

وسن له الجمع بين الليل والنهار، وإلا أراق دم تمتع - ندبا.

(و) ثالثها: (طواف إفاضة) ويدخل وقته بانتصاف ليلة النحر، وهو أفضل الاركان، حتى من الوقوف، خلافا للزركشي.

ــ

ويروى عن محمد بن المنكدر أنه حج ثلاثا وثلاثين حجة، فلما كان آخر حجة حجها، قال وهو بعرفات: اللهم إنك تعلم أنني قد وقفت في موقفي هذا ثلاثا وثلاثين وقفة، فواحدة عن فرضي، والثانية عن أبي، والثالثة عن أمي، وأشهدك يا رب أني قد وهبت الثلاثين لمن وقف موقفي هذا، ولم تتقبل منه.

فلما دفع من عرفات ونزل بالمزدلفة، نودي في المنام: يا ابن المنكدر، أتتكرم على من خلق الكرم؟ أتجود على من خلق الجود؟ أن الله تعالى يقول لك: وعزتي وجلالي، لقد غفرت لمن وقف بعرفات قبل أن أخلق عرفات بألفي عام.

وعن علي بن الموفق رحمة الله عليه قال: حججت في بعض السنين، فنمت بين مسجد الخيف ومنى، فرأيت ملكين قد نزلا من السماء، فقال أحدهما لصاحبه: يا عبد الله، أتعلم كم حج بيت ربنا في هذه السنة؟ قال: لا.

قال ستمائة ألف.

ثم قال له: أتدري كم قبل منهم؟ قال: لا.

قال ستة أنفس.

ثم ارتفعا في الهواء، فقمت وأنا مرعوب، وقلت: واخيبتاه أين أكون أنا في هذه الستة أنفس؟ فلما وقفت بعرفة وبت بالمزدلفة، رأيت الملكين قد نزلا من السماء على عادتهما، فسلم أحدهما على الآخر، وقال: يا عبد الله، أتدري ما حكم ربك في هذه الليلة؟ قال: لا.

قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة المقبولين مائة ألف، وقد قبلوا جميعا.

قال: فانتبهت، وبي من السرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى، إذ قبل الحجاج جميعهم ومنحهم برا وجودا، ولم يجعل منهم شقيا ولا محروما، ولا مطرودا.

(قوله: ووقته) أي الوقوف.

وقوله: بين زوال إلخ أي يدخل بزوال شمس ذلك اليوم، ويخرج بطلوع فجر يوم النحر.

فمن وقف قبل الزوال وذهب من عرفة، لا يصح وقوفه، وكذلك من وقف بعد الفجر.

ومن وقف بينهما صح وقوفه، ولو لحظة قبل الفجر، وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - وقف بعد الزوال رواه مسلم، وأنه قال: من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج.

وفي رواية: من جاء عرفة ليلة جمع أي ليلة مزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج.

((قوله: وهو) أي يوم عرفة.

(وقوله: تاسع ذي الحجة) فلو وقفوا قبله أو بعده لم يصح وقوفهم.

نعم، إن وقف الحجيج أو

فرقة منهم وهم كثير على العادة يوم العاشر للجهل - بأن غم عليهم هلال ذي حجة صح.

وإن وقفوا بعد التبين، كما إذا ثبت الهلال ليلة العاشر، ولم يتمكن من الوقوف فيها لبعد المسافة، وإليه حينئذ تنتقل أحكام التاسع كلها، فلا يعتد بوقوفهم قبل الزوال، ولا يصح رمي جمرة العقبة إلا بعد نصف ليلة الحادي عشر والوقوف.

وهكذا جميع الأحكام.

(قوله: وسن له) أي للحاج، الجمع بين الليل والنهار، وقيل يجب.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يجمع بينهما.

(وقوله: أراق دم تمتع) أي دما كدم التمتع في كونه مرتبا مقدرا.

وقوله: ندبا أي وعلى المعتمد، وعلى مقابله تجب إراقة دم.

(قوله: وثالثها) أي أركان الحج.

(وقوله: طواف إفاضة) أي لقوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (١).

(فائدة) سمى البيت عتيقا: لأن الله تعالى أعتقه من أيدي الجبابرة، فلم يسلط عليه جبار قط، بل كل من قصده بسوء هلك.

وقال أبو بكر الواسطي: إنما سمي عتيقا لأن من طاف به صار عتيقا من النار، ولله در من قال: طوبى لمن طاف بالبيت العتيق وقد * * لجا إلى الله في سر وإجهار ونال بالسعي كل القصد حين سعى * * وطاف جهرا بأركان وأستار


(١) الحج: ٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>