متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون، لانه ليس ضمانا حقيقة، بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع، لئلا ينفر الناس عنها.
(واعلم) أن الصلح جائز مع الاقرار، وهو على شئ غير المدعي معاوضة - كما لو قال: صالحتك عما
ــ
تنصيفه بينهما، ثم قال رأيت شيخنا اعتمد ما اعتمدته، قال: وبه أفتيت، وعلله بأن الضمان وثيقه لا تقصد فيه التجزئة، واعتمد في النهاية الثاني.
قال: وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى، لأنه اليقين، وشغل ذمة كل واحد بالزوائد مشكوك فيه.
وبذلك أفتى البدر بن شهبة عند دعوى أحد الضامنين ذلك وحلفهما عليه، لأن اللفظ ظاهر فيه، وبالتبعيض قطع الشيخ أبو حامد.
وفي سم: قال شيخنا الشهاب الرملي، المعتمد في مسألة الضمان: أن كلا ضامن للنصف فقط، وفي مسألة الرهن: أن نصف كل رهن: بالنصف، فالقياس على الرهن: قياس ضعيف على ضعيف.
اه.
(قوله: قال شيخنا إلخ) أتى به في التحفة جوابا عما يرد على معتمده من عدم التقسيط فيما لو قالا: ضمنا مالك على فلان.
وحاصل الجواب أن
هذا لا يرد على المسألة المذكورة، لأنه ليس ضمانا حقيقة، والكلام فيما هو ضمان حقيقة (قوله: لأنه ليس ضمانا حقيقة) أي لأنه على ما لم يجب، والضمان حقيقة أن يكون على ما وجب (قوله: بل استدعاء إتلاف مال) أي طلب ذلك.
وقوله لمصلحة: هي السلامة (قوله: فاقتضت) أي المصلحة.
(وقوله: التوزيع) أي تقسيط الضمان على الكل.
(وقوله: عنها) أي عن المصلحة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قوله: واعلم أن الصلح الخ) شروع في بيان أحكام الصلح: من صحته مع الإقرار، ومن جريان حكم البيع عليه، وهو لغة: قطع النزاع.
وشرعا: عقد يحصل به ذلك.
وهو أنواع: صلح بين المسلمين والكفار، وعقدوا له باب الهدنة، والجزية، والأمان، وصلح بين الإمام والبغاة، وعقدوا له باب البغاة، وصلح بين الزوجين عند الشقاق، وعقدوا له باب القسم والنشوز، وصلح في المعاملات، وعقدوا له هذا الباب.
والأصل فيه قوله تعالى: * (والصلح خير) * لأنه إن كان المراد به مطلق الصلح، كما يدل عليه الإتيان بالإسم الظاهر، دون الضمير، فالأمر ظاهر.
وإن كان المراد الصلح بين الزوجين، كما يدل عليه السياق، فغيره بالقياس عليه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا وإنما خص المسلمين، مع جوازه بين الكفار أيضا، لانقيادهم للأحكام غالبا.
وشرط صحة الصلح: سبق خصومة بين المتداعيين، فلو قال: صالحني من دارك مثلا بكذا، من غير سبق خصومة، فأجابه: فهو باطل، على الأصح، لأن لفظ الصلح: يستدعي سبق الخصومة، سواء كانت عند حاكم أم لا.
ولفظه يتعدى للمأخوذ: بالباء أو على، وللمتروك: بمن أو عن.
وقد نظم بعضهم هذه القاعدة بقوله: في الصلح للمأخوذ باء وعلى والترك من وعن كثير إذا جعلا ونظمها بعضهم أيضا بقوله: بالباء أو على يعدى الصلح لما أخذته فهذا نصح ومن وعن أيضا لما قد تركافي أغلب الأحوال ذا قد سلكا فإذا قال صالحتك من الدار، أو عنها، بألف، أو عليه: فالدار متروكة، لدخول من، أو عن، عليها، والألف مأخوذة لدخول الباء، أو على، عليه.
وقد يعكس الأمر على خلاف الغالب.
(وقوله: جائز مع الإقرار) أي صحيح معه.
ولو أنكر بعده فإذا أقر ثم أنكر: جاز الصلح، بخلاف ما لو أنكر فصولح، ثم أقر فإن الصلح باطل، فإن صولح ثانيا بعد الإقرار: كان صحيحا.
ومثل الإقرار إقامة البينة واليمين المردودة، لأن لزوم الحق بالبينة، كلزومه بالإقرار.
واليمين
المردودة: بمنزلة الإقرار، أو البينة.
وليس من الإقرار: صالحني عما تدعيه بكذا، لأنه قدير يريد به قطع الخصومة (قوله: وهو على شئ غير المدعي الخ) يعني أن الصلح غير المدعي، بأن يكون المدعى دراهم، فصولح على ثوب، يكون
(١) سورة النساء، الاية: ١٢٨.