الصلح على الانكار، وإن فرض صدق المدعي، خلافا للائمة الثلاثة.
نعم، يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل له في الصلح على الانكار، ثم إن وقع بغير مدعى به كان ظافرا وسيأتي حكم الظفر.
(فرع) يحرم على كل أحد غرس شجر في شارع، ولو لعموم النفع للمسلمين، كبناء دكة، وإن لم يضر فيه، ولو لذلك أيضا، وإن انتفى الضرر حالا، أو كانت الدكة بفناء داره.
ويحل الغرس بالمسجد للمسلمين أو ليصرف ريعه بل يكره.
ــ
عين قوله ويلغو الصلح، فكان الأولى أن يقتصر على الغاية وما بعدها.
(وقوله: على الإنكار) أي أو السكوت (قوله: وإن فرض صدق المدعى) غاية في بطلان الصلح (قوله: خلافا للأئمة الثلاثة) أي في قولهم: إن الصلح لا يبطل مع ذلك (قوله: نعم.
يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل الخ) عبارة شرح الروض: وإذا كان على الإنكار، وكان المدعي محقا، فيحل له فيما بينه وبين الله أن يأخذ ما بذل له.
قاله الماوردي.
وهو صحيح في صلح الحطيطة.
وفيه فرض كلامه - فإذا صالح على غير المدعي، ففيه ما يأتي في مسألة الظفر.
قاله الأسنوي.
اه (قوله: وسيأتي حكم الظفر) أي في باب الدعوى والبينات، وعبارته هناك: وله - أي للشخص - بلا خوف فتنة عليه أو على غيره: أخذ ماله، استقلالا
للضرورة من مال مدين له مقر مماطل به، أو جاحد له، أو متوار، أو متعزز، وإن كان على الجاحد بينة، أو رجا إقراره لو رفعه للقاضي، لاذنه - صلى الله عليه وسلم - لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما يكفيها وولده بالمعروف، ولأن في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة، وإنما يجوز له الأخذ من جنس حقه.
ثم عند تعذر جنسه يأخذ غيره، ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد على غيره.
ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله: يتملكه، ويتصرف فيه بدلا عن حقه، فإن كان من غير جنسه: فيبيعه الظافر نفسه، أو مأذونه للغير، لا لنفسه، اتفاقا، ولا لمحجوره: لامتناع تولي الطرفين وللتهمة.
انتهت.
(قوله: فرع: يحرم على كل أحد إلخ) شروع في بيان الحقوق المشتركة، ومنع التزاحم عليها.
وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل.
وحاصل الكلام على ذلك: أنه يحرم غرس الشجر في الشارع وإن انتفى الضرر وكان النفع لعموم المسلمين ويحل في المسجد مع الكراهة للمسلمين كأكلهم من ثماره، أو ليصرف ريعه في مصالح المسجد.
ويحرم بناء دكة مطلقا في الشارع، أو في المسجد، ولو انتفى الضرر بها، أو كانت بفناء داره.
وإنما حرم ذلك: لأنه قد تزدحم المارة، فيعطلون بذلك، لشغل المكان به، ولأنه إذا طالت المدة: أشبه موضعه الأملاك، وانقطع عنه أثر استحقاق الطروق.
(وقوله: غرس شجر) مثله كل ما يضر المار في مروره، كإخراج روشن، أو ساباط، أي سقيفة، على حائطين، والطريق بينهما.
فإن لم يتضرر المار به، بأن رفعه بحيث يمر تحته الشخص التام الطويل مع حمولة على رأسه، وبحيث يمر تحته المحمل على البعير إذا كانت الطريق ممر فرسان وقوافل: جاز ذلك.
هذا إذا كان ما ذكر في شارع، أي طريق نافذ، فإن كان في غيره، فلا يجوز إلا بإذن الشركاء فيه.
(وقوله: في شارع) هو مرادف للطريق النافد.
وأما الطريق لا بقيد النافذ، فهو أعم من الشارع عموما مطلقا.
ومادة الإجتماع الطريق النافذ.
وينفرد في طريق غير نافذ (قوله: كبناء دكة) الكاف للتنظير: أي نظير حرمة بناء دكه، وهي المسطبة العالية.
والمراد هنا: مطلق المسطبة.
قال في التحفة: ومثلها ما يجعل بالجدار المسمى بالكبش، إلا إن اضطر إليه لخلل بنائه.
ولم يضر المارة، لأن المشقة تجلب التيسير.
اه.
(قوله: وإن لم يضر) مفعوله محذوف: أي لم يضر ذلك البناء والمارة.
(وقوله: فيه) أي في الشارع، وهو متعلق بلفظ بناء (قوله: ولو لذلك) ولو كان البناء لذلك: أي لعموم النفع للمسلمين (قوله: وإن انتفى الضرر حالا) لم يظهر لهذه الغاية فائدة بعد الغاية الأولى.
أعني قوله: وإن لم يضر، فكان الأولى إسقاطها (قوله: ويحل الغرس بالمسجد الخ) وإنما امتنع في الشارع مطلقا، لكون توقع الضرر فيه أكثر.
ويجوز حفر البئر في الشارع، وفي المسجد، حيث لا ضرر، وكان بإذن الإمام وفي شرح الرملي: تقييد الجواز بكونه لعموم المسلمين، وإذن الإمام.
(وقوله: للمسلمين) أي لنفعهم كأكلهم من ثمارها.
(وقوله: أو ليصرف ريعه) أي ما غرس.
وقوله: له أي للمسجد أي لمصالح المسجد، كترميم، وإسراج (قوله: بل يكره) المناسب والأخصر أن يقول: مع الكراهة، كما عبرت به فيما مر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.