للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مطلب في الايصاء

ــ

(تتمة) تعرض للوصية ولم يتعرض للإيصاء، وقد ترجم له الفقهاء بفصل مستقل، ولا بد من التعرض له تكميلا للفائدة - فأقول: حاصل الكلام عليه أن الإيصاء لغة الإيصال، كالوصية.

وشرعا إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت ولو تقديرا وإن لم يكن فيه تبرع، كالإيصاء بالقيام على أمر أطفاله، ورد ودائعه، وقضاء ديونه، فإنه لا تبرع في شئ من ذلك بخلاف الوصية فإنه لا بد فيها من التبرع وأركانه أربعة: موصي، ووصي، وموصى فيه، وصيغة.

وشرط في الموصي بقضاء الحقوق التي عليه وتنفيذ الوصايا ورد الودائع ونحوها ما تقدم في الموصي بمال، من كونه مالكا بالغا عاقلا حرا مختارا.

وشرط في الموصي بنحو أمر طفل ومجنون ومحجور عليه بسفه، مع ما مر من الشروط، أن يكون له ولاية عليه ابتداء من الشرع، لا بتفويض، فلا يصح الإيصاء من صبي ومجنون ورقيق ومكره، ولا من أم وعم، لعدم الولاية عليهما، ولا من الوصي، لأن ولايته ليست شرعية ابتداء، بل جعلية بتفويض الأب أو الجد إليه إلا إن أذن له فيه، كأن قال أوص عني، فأوصى عن الولي، لا عن نفسه، ولا يصح الإيصاء من أب على ولده والجد بصفة الولاية، لأن ولايته ثابتة شرعا ابتداء، بخلاف الوصي، كما علمت، وشرط في الوصي: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والعدالة والاهتداء إلى التصرف وعدم عداوة منه للمولى عليه وعدم جهالة، فلا يصح الإيصاء إلى من فقد شيئا من ذلك، كصبي ومجنون وفاسق ومن به رق أو عداوة وكافر على مسلم، ومن لا يكفي في التصرف لهرم أو سفه.

وتعتبر الشروط المذكورة عند الموت، لا عند الإيصاء، ولا بينهما، لأنه وقت التسلط على القبول حتى لو أوصى لمن خلا عن الشروط أو بعضها كصبي ورقيق ثم استكلمها عند الموت صح، ولا يضر عمى، لأن الأعمى متمكن من التوكيل فيما لا يتمكن منه، ولا أنوثة، لما في سنن أبي داود أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة رضي الله عنها، وإذا جمعت أم الطفل الشروط المذكورة فهي أولى من غيرها، لوفور شفقتها.

واستجماعها للشروط معتبر عند الإيصاء.

قال في التحفة: وقول غير واحد عند الموت عجيب، لأن الأولوية إنما يخاطب بها الموصي، وهو لا علم بما عند الموت.

اه.

ويشترط في الموصى فيه كونه تصرفا ماليا

مباحا، فلا يصح الإيصاء في تزويج نحو بنته أو ابنه، لأن هذا لا يسمى تصرفا ماليا، وأيضا غير الأب والجد لا يزوح الصغيرة والصغير، ولا في معصية، كبناء كنيسة للتعبد، لكون الإيصاء قربة، وهو تنافي المعصية.

ويشترط في الصيغة، لفظ يشعر بالإيصاء، كأوصيت إليك، أو جعلتك وصيا، أو أقمتك مقامي بعد موتي، فيما عدا أوصيت، على قياس ما مر في الوصية، ولا بد من بيان ما يوصى فيه.

فلو اقتصر على نحو أوصيت إليك كان لغوا، ويجوز فيه التأقيت والتعليق: كأوصيت إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد، وكإذا مت أو إذا مات وصيي فقد أوصيت إليك.

ويشترط القبول بعد الموت، ولو بتراخ، ويكتفي فيه بالعمل كالوكالة، ولكل من الموصي والوصي رجوع متى شاء لأنه عقد جائز إلا إن تعين الوصي وغلب على ظنه استيلاء ظالم من قاض وغيره عليه فليس له الرجوع.

ولو خاف الوصي على مال اليتيم ونحوه من استيلاء الظالم عليه فله تخليصه بشئ منه فيبذل شيئا القاضي السوء الذي لو لم يبذل له شيئا لانتزع المال منه وسلمه لبعض خونته وأدى ذلك إلى استئصاله.

وكذا يجوز للوصي تعييب مال اليتيم ونحوه.

كما قاله ابن عبد السلام، إذا خاف عليه الغصب لأجل حفظه، كما في قصة الخضر عليه السلام، وقد حكاها الله تعالى بقوله: * (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) * (١) وقد نظم ابن رسلان في زبده معظم ما يتعلق بالإيصاء بقوله: سن لتنفيذ الوصا ووفاديونه إيصاء حر كلفا ومن ولي ووصي أذنافيه على الطفل ومن تجننا إلى مكلف يكون عدلاوأم الأطفال بهذا أولى


(١) سورة الكهف، الاية: ٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>