الرابع: أنّه لمَّا فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى، ووضح له عن حقيقة أمره وجلاَّه، قال بعد ذلك كلّه:(رحمةً من رَّبك وما فعلته عن أمري)[الكهف: ٨٢] ، يعني ما فعلته من تلقاء نفسي، بل أمرت به، وأوحي إليّ فيه (١) .
(١) ذهب جمع كثير من العلماء إلى أن الخضر حي لم يمت، وقد وردت في ذلك أخبار كثيرة، وقد فتح القول بحياته باباً للخرافة والدجل، فأخذ كثير من الناس يزعم أنّهم قابلوا الخضر، وأنّه وصّاهم بوصايا، وأمرهم بأوامر، ويروون في ذلك حكايات غريبة، وأخباراً يأباها العقل السليم. وقد ذهب إلى تضعيف هذه الأخبار جمع من كبار المحدثين منهم البخاري، وابن دحية، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني، وأقوى ما يردُّ به على هؤلاء القائلين بحياته أنه لم يصح في ذلك حديث، وأنو لو كان حياً لكان فرض عليه أن يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويتابعه وينصره، فقد أخذ الله العهد على الأنبياء من قبل بالإيمان بمحمد ونصرته إذا أدركه زمانه (وإذ أخذ الله ميثاق النَّبيين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثُمَّ جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشَّاهدين) [آل عمران: ٨١] ، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعه. وقد سأل إبراهيم الحربي أحمد بن حنبل عن تعمير الخضر وإلياس، وأنهما باقيان يريان ويروى عنهما، فقال أحمد: من أحال على غائب لم ينصف منه، وما ألقى هذا إلا الشيطان. (مجموع فتاوى شيخ الإسلام: ٤/٣٣٧) . وسُئل البخاري عن الخضر وإلياس: هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على وجه الأرض أحد" (مجموع فتاوى شيخ الإسلام: ٤/٣٣٧) ..وقد أطال جماعة من محققي العلماء في إيراد الأدلة المبطلة لهذه الخرافة، منهم ابن كثير في البداية والنهاية (١/٣٢٦) والشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (٤/١٨٤) ، وقد ألف ابن حجر العسقلاني رسالة في ذلك سمّاها: الزهر النضر في نبأ الخضر، وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية: ٢/١٩٥.