للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يهوديّ من يهود بني زريق، يقال له: لبيد بن الأعصم، حتّى كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخيّل إليه أنّه كان يفعل الشّيء وما يفعله، حتّى كان ذات يوم وهو عندي، دعا الله ثمّ قال: ((يا عائشة أشعرت أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه، جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليّ، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرّجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أيّ شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجفّ طلع ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان)) فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أناس من أصحابه، ثمّ قال: ((يا عائشة والله لكأنّ ماءها نقاعة الحنّاء، ولكأنّ رءوس نخلها رءوس الشّياطين)) فقلت: يا رسول الله أفلا أخرجته؟ -وفي مسلم: أحرقته- قال: ((لا، أما أنا فقد عافاني الله، وكرهت أن أثير على النّاس شرًّا فأمرت بها فدفنت)).

وفي لفظ للبخاري: (يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي)، وفيه أيضًا: (حتى كان يرى أنه إن كان يأتي أهله ولا يأتي)، وفيه أيضًا: (حتى كان يرى أنه إن كان يأتي النساء ولا يأتيهن)، قال سفيان: وذلك أشد مايكون من السحر.

وفيه: (قال من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم من بني زريق، حليف اليهود كان منافقًا).

أنكر بعض الناس هذا، لأنه نقص وعيب، أو أنه يمنع الثقة بالشرع وهذا باطل فإنه من جنس الأوجاع والأمراض والسم، والدلائل القطعية ناطقة بصدقه وعصمته والإجماع أيضًا. فأمّا بعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولم يفضل من أجلها فلا مانع منه.

الطّب: بكسر الطاء، في اللغة يقال على معان:

أحدها: السحر والمطبوب المسحور. يقال: طب الرجل إذا سحر، فكنّوا بالطب عن السحركما كنوا بالسليم عن اللديغ، قال أبوعبيد: تفاؤلاً بالسلامة، وكما كنوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيها فقالوا: مفازة تفاؤلاً بالفوز من الهلاك.

والثاني: الإصلاح، يقال: طببته إذا أصلحته، ويقال له طب بالأمور، أي: لطف وسياسة. قال الشاعر:

وإذا تغير من تميم أمرها ... كنت الطبيب لها بامر ثاقب.

قال ابن الأنباري: الطب من الأضداد، يقال لعلاج الداء طب، وللسحر طب.

والثالث: الحذق، قال الجوهري: كل حاذق طبيب عند العرب، قال أبوعبيد: أصل الطب الحذق بالأشياء والمهارة بها. يقال للرجل: طب وطبيب، إذا كان كذلك، وإن كان في غير علاج المريض، وقال غيره: رجل طبيب، أي حاذق، سمي طبيبًا لحذقه وفطنته. قال علقمة:

فإن تسالوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له في ودهنّ نصيب

وقال غيره:

<<  <   >  >>