أما عدم التطابق فِي الْأَخْلَاق بَين الرُّعَاة والرعية، فَلهُ شان عَظِيم كَمَا يظْهر للمتأمل المدقق فِي تواريخ الْأُمَم من أَن أعاظم الْمُلُوك الموفقين والقواد الفاتحين كالإسكندرين، وَعمر وَصَلَاح الدّين رَضِي الله عَنْهُمَا، وجنكيز والفاتح وشرلكان الألماني وبطرس الْكَبِير وبونابرت، لم يفوزوا فِي تِلْكَ العظائم إِلَّا بالعزائم الصادقة مَعَ مصادقة تطابقهم مَعَ رعاياهم وجيوشهم فِي الْأَخْلَاق والمشارب تطابقاً تَاما، بِحَيْثُ كَانُوا رؤوساً حَقًا لتِلْك الْأَجْسَام لَا كرأس جمل على جسم ثَوْر أَو بِالْعَكْسِ. وَهَذَا التطابق وَحده يَجْعَل الْأمة تعْتَبر رئيسها رَأسهَا، فتتفانى دون حفظه وَدون حكم نَفسهَا بِنَفسِهَا، حَيْثُ لَا يكون لَهَا فِي غير ذَلِك فلاح أبدا كَمَا قَالَ الْحَكِيم المتنبي:
(إِنَّمَا النَّاس بالملوك وَهل ... يفلح عرب مُلُوكهَا عجم)
وَمِمَّا لَا خلاف فِيهِ أَن من أهم حِكْمَة الحكومات أَن تتخلق بأخلاق الرّعية، وتتحد مَعهَا فِي عوائدها ومشاربها وَلَو فِي العوائد غير المستحسنة فِي ذَاتهَا. وَلَا أقل من أَن تجاري الْحُكُومَة الْأَجْنَبِيَّة أَخْلَاق الرّعية وَلَو تكلفاً وقتياً، إِلَى أَن توفق إجتذابهم إِلَى لغتها فأخلاقها فجنسيتها، كَمَا فعل الأمويون والعباسيون والموحدون، وكما تهتم بِهِ الدول المستعمرة الإفرنجية فِي هَذَا الْعَهْد، وكما فعل جَمِيع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute