عكوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى وخمسون رسالة، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل، وفي الحكمة، فمزج بين العلمين، وقد كان رجل يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف، أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطف جهده، حتى تم له ما لم يتم لغيره، وقد رأيت جملا من دواوينه، ووجدت أبا حامد يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة.
وأما مذاهب الصوفية، فلا أدري على من عول فيها، لكني رأيت فيما علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي، وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف، وأخبرت أن أبا حيان ألف ديوانا عظيما في هذا الفن، وفي " الإحياء " من الواهيات كثير ... ويستحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة له ... إلى آخر كلامه. سير أعلام النبلاء للذهبي (١٩/ ٣٤١).
وانتقده تلميذه أبو بكر بن العربي المعافري المالكي (المتوفى سنة ٥٤٣) في كتابه العواصم من القواصم (٢/ ١٠١)(١)، ومما قال: كان أبو حامد تاجا في هامة الليالي وعقدا في لبة المعالي، حتى أوغل في التصوف، وأكثر معهم التصرف، فخرج على الحقيقة وحاد في أكثر أحواله عن الطريقة، وجاء
(١) هكذا في جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة (٤٤٠). ولم أر هذا الكلام في نسختي من العواصم.