وضع رسولنا «١» صلى الله عليه وسلم خطواته الأولى في الدرب صوب المدينة وقلبه يخفق بهذا الدعاء: (وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) وكان يعلم جيدا أن حركة الإنسان في التاريخ لا تستقيم وتصل إلى هدفها إلا بأن يرفع الإنسان بصره وفؤاده وعقله وسمعه وحسّه إلى السماء يتلقى عنها الصدق والنصر.. صدق الحركة وانتصار قيمها.. لكنه لم ينس لحظة أن هذا التوجه إلى السماء يجب أن يقترن بثبات الخطى على الأرض، وبتحمل مسؤولية البصر والسمع والفؤاد بأمانة كاملة.. وبصياغة الحرية الإنسانية بما ينسجم، في المدى القريب والبعيد، مع قدر الله ونواميسه وسننه. وبدون هذا التناغم بين مشيئة الله وحرية الإنسان.. بين نور السماء وشفافيتها وبين كثافة الأرض ووعورة الطريق.. بدون هذا الحوار الدائم الفعال بين الإنسان وخالق الإنسان.. بين انطلاق الروح وشد الجسد.. بدون هذا التواصل الدائم.. بين الحضور والغياب.. بين عالم المشاهدة المباشرة والغيب البعيد.. بدون هذا وذاك لن تكون هناك حركة جادة، ولا مصير عظيم.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل قلبه يخفق بدعاء الله.. وهو يرسم الخطط، ويضع الضمانات، ويهيىء المواد والإمكانات والدفوع الكفيلة بإيصاله إلى هدفه.. لم يجىء هذا الدعاء قبل التخطيط فحسب، ولا جاء بعده فحسب، فليس في علاقة
(١) انظر: خطوات في الهجرة والحركة، للمؤلف، بيروت، الدار العلمية- ١٩٧١.