لها ذلك العمل خفاء أكثر ويظهر من نياتها وأعمالها ما هو طيب مقبول، ولكنه سيؤدي في الوقت نفسه إلى تمزق وانشقاق في قلب المجتمع الإسلامي، وفي أي شيء؟ في المسجد الذي هو مركز الجماعة الإسلامية ومنطلق نشاطاتها المختلفة، وقلبها الذي لا يكف عن الخفقان!!
ومن هناك، وبعد المباركة التي سيمنحها الرسول صلى الله عليه وسلم مسجدهم هذا، سينطلق المنافقون، وقد أبدوا نية حسنة وبنوا مسجدا جديدا، لاستقطاب العناصر القلقة في المجتمع الإسلامي وضمها إلى صفوفهم، وتوسيع قواعدهم بين المسلمين، وإطلاق الشائعات وبذل نشاط واسع من هذا المسجد، بقيادة زعيمهم الذي كان قد لحق بالشام وتنصّر!! للاتصال بغير المسلمين كذلك لرسم الخطط وتحديد أساليب العمل، وهم في حماية من غضبة المسلمين وفي أمان من الانكشاف، ما داموا يمارسون نشاطاتهم تلك من قلب المسجد الذي باركه الرسول صلى الله عليه وسلم. والذي يؤكد هذا، أن تصاعد نشاط المنافقين في أقوالهم وأعمالهم، والذي رافق محنة تبوك- كما رأينا- جاء موازيا لبناء هذا المسجد الذي تم إنشاؤه قبيل التجهز لغزو الروم. وعندما هرع مبعوثا الرسول صلى الله عليه وسلم لتهديم بؤرة النفاق هذه وجدا في باحتها أولئك الذين أقاموها.. وربما كانوا يمارسون من هناك نشاطهم المسموم. وهذا الأسلوب في العمل التخريبي، وهو اعتماد قيم ومؤسسات مجتمع أو عقيدة ما لتخريب أسس ذلك المجتمع وعقائدياته وتدمير معنويات أصحابه، معروف على مرّ العصور، وليست هذه التجربة التي فضحها القرآن الكريم إلا علامة تحذير دفعت المسلمين إلى مزيد من الحذر واليقظة!!
[[٥]]
وكما حدث بالنسبة لليهود، مضت المراحل الأخيرة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام يزداد قوة ومنعة وانتشارا، وزعماء القبائل العربية وأمراؤها ينهالون على المدينة معلنين إسلامهم ومبايعين رسولهم الكريم. ولم يجد المنافقون منفذا يتسللون منه لتسديد ضربة مؤذية أو تنفيذ مخطط تخريبي جديد، سيما وأن زعيمهم عبد الله بن أبيّ كان قد توفي في أواخر السنة التاسعة «١» ، وكانت الآيات