لا يمكن أن نتفهم حركة النفاق جيدا إلا إذا أدركنا بعديها النفسي والاجتماعي. فأما بعدها الأول فيتمثل في أن عددا من الناس، على مدار التاريخ، يسوقهم تكوينهم النفسي- الذي هو حصيلة المؤثرات البيئية والوراثية- إلى اتخاذ (موقفين) إزاء القضية الواحدة، أحدهما ظاهر والآخر باطن، فيعلنون غير ما يكتمون، ويقولون غير ما يفعلون، ويدفعهم الخوف الذي يتصورونه جاثما عليهم في كل لحظة، إلى تغطية بواطنهم بأستار ظاهرية يختبئون خلفها علّها تحميهم من الانكشاف، وهم إذا ما خلوا إلى نفوسهم، وشعروا أنهم غدوا بمنأى عما يخيفهم، دفعوا الأستار جانبا وظهروا على حقيقتهم.
ويبدأ هذا الازدواج والقلق والثنائية في اتخاذ المواقف بسيطا غير معقد هدفه تحقيق مصلحة فردية أو جماعية، أو دفع أذى، إلا أن ممارسته طويلا تقود إلى استمرائه واعتياده، وسرعان ما يغدو جزآ أصيلا من التكوين النفسي للإنسان. ويتطرف الازدواج لدى البعض أحيانا حتى يغدو ظاهرة مرضية يسميها علماء النفس (انفصام الشخصية) حيث تنقطع الخيوط كلية بين الظاهر والباطن، وتزول عوامل الارتباط في كيان الإنسان، وتتفكك الذات المتوحدة إلى شخصيتين أو أكثر، ويفقد الفرد كليّة القدرة على تحديد موقفه إزاء مجريات الأحداث التي لا تكف عن التمخض والحركة، ويغدو- بتعبير الرسول صلى الله عليه وسلم- (أمّعة. يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤا أسأت) .
ويقودنا البعد الاجتماعي لظاهرة النفاق إلى طبيعة تكوين المجتمع العربي