للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مزيد من التدريب والمهارة العسكرية في مواجهة الأعداء الذين يحيطون بالدولة الجديدة إحاطة السوار بالمعصم. وراح الرسول القائد طيلة العصر المدني يعمل دونما وهن على تعليم أتباعه فنون القتال وتدريبهم على استعمال السلاح رافعا شعارا واضحا لا غموض فيه وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ «١» ، معتمدا في سعيه لتكوين (المقاتل المسلم) على أسلوبين متوازيين: التوجيه المعنوي والتدريب العملي، في أولاهما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسعى إلى رفع معنويات المقاتلين، يمنحهم أملا يقينيا بالنصر أو الجنة. ومنذ تلك اللحظات وفيما بعد ظل هذا (الأمل) يحدو الجندي المسلم في ساحات القتال ويدفعه إلى بذل كل طاقاته النفسية والجسدية والفنية من أجل كسب المعارك أو الموت تحت ظلال السيوف مجتازا باستشهاده الخاطف السريع الجسر الذي يصل أرض المعركة بالجنة، حيث الخلود الدائم والنعيم المقيم ولذة القرب من الله سبحانه الذي قال مخاطبا المؤمنين وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ «٢» . وهذا (البذل) الذي شهده تاريخ الإسلام منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يفجر طاقات المسلم القتالية ويحيل كلا منهم إلى عشرة مقاتلين. وسنرى الرسول الآن وفيما بعد ينادي أصحابه دوما في لحظات المصير الحرجة بين النصر والهزيمة لكي يهرعوا إلى الحسنيين: النصر أو الجنة..

كان يقول لهم: (جاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد باب من أبواب الجنة ينجي الله به من الهم والغم) ويناديهم: (إن الله تعالى يقول: ما من عبد من عبادي خرج مجاهدا في سبيلي إلا ضمنت له أن أرجعه مأجورا غانما.. أو شهيدا أغفر له، وأرحمه، وأدخله الجنة) ويعلمهم: (من أرسل نفقة في سبيل الله فله بكل درهم سبعمائة درهم) ويبين لهم (من أعان مجاهدا في سبيل الله أظله الله يوم لا ظل إلا ظله) ، (من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على النار) ، (من جرح في سبيل الله ختم له بخاتم الشهداء له نور يوم القيامة، ويأتي، جرحه له لون الزعفران وريح المسك يعرفه بها الأولون والآخرون ويقولون: فلان عليه طابع


(١) سورة الأنفال، الآية: ٦٠.
(٢) سورة آل عمران، الآيتان: ١٦٩ و ١٧٠.

<<  <   >  >>