للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم تأسست سياسة الدولة الجديدة فعلا وواقعا على تقديس الحرية الإنسانية بحيث تكون هذه الحرية هي أساس الدولة الفكري وقانونها الأعلى. وكان لدولة الهجرة (إقليم) اختارته الظروف لها وكان اختيارا موفقا ... لكنها لم ترتبط به ولم تقتصر عليه، وكان من الممكن أن تقوم في أي مكان آخر يقبل الدعوة، مكة أو الطائف مثلا ... ذلك أن الدولة الجديدة دولة (فكرة) والفكرة تجد وطنها في كل مكان يوجد فيه عقل إنسان «١» .

لقد كان من حسن حظ البشرية أن الإسلام تبرأ من أول يوم من حواجز الجنس والأرض واللسان واستهدف قيام الأخوة العالمية بين المؤمنين، «ولما كانت دعوة الإسلام لم تأت من البداية إلى بلد بعينه فإنها كانت خطوة تقدمية إلى الأمام نحو تحقيق ما بذلت المحاولات لتحقيقه من بعد وهو تدويل المجتمع الإنساني ... وبجانب عالمية الدعوة فإن الإسلام أقام نظام (الحج) ونظام (الخلافة) من أجل تحقيق هذا الهدف» «٢» .

إن دولة الإسلام هي دولة (العقيدة) التي قامت منذ البدء على أن السلطة الحاكمة العليا هي الله.. القوة المحايدة التي تقرر المبادىء والموجهات العامة، إذ هي لا تميل مع فرد أو جماعة ولا تنحاز لحاكم أو محكوم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا «٣» .

لقد أعطى الإسلام بمجتمعه الأول ذلك النموذج الذي عاش مدى العصور في نفوس المسلمين وعقولهم مثلا يحتذى وصورة شامخة من صور المثل الأعلى للمجتمع الإنساني السليم المتكامل الذي يقوم على الإخاء والحب والتسامح والتكامل، وليس هذا المجتمع صورة مثالية غير واقعية ولكنه تطبيق أمين لمفهوم الإسلام ومضمونه (وأيديولوجيته) . وما تزال صورة هذا المجتمع الإسلامي الأول باتساقها وصلابتها وسلامتها في فهم مضمون الإسلام ومنهجه، تعطي علامة القوة في تطبيق الإسلام. فمن هذه الجماعة الإسلامية انطلقت (الدعوة الإسلامية) إلى العالم كله، وليس صحيحا ما يدعيه بعض المستشرقين ومن تابعهم من أن سياسة


(١) فتحي عثمان: دولة الفكرة ص ١٨- ٢٢.
(٢) حميد الله الحيدر آبادي: دولة الإسلام والعالم، عن فتحي عثمان المصدر السابق ص ٥٨- ٥٩.
(٣) سورة النساء، الآية: ٥٩، فتحي عثمان: المرجع السابق ص ٧٣.

<<  <   >  >>