وأمر بتشديد الحراسة على المدينة، وعرض على أصحابه أن يظلوا في المدينة، ويدعوا قريشا حيث نزلت [فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها] فكأنه صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يعتمد الخطة التي يسمونها اليوم «حرب الشوارع» أو «الحارات» ، فحيثما كان المهاجمون أكثر عددا من المدافعين كان الأجدر أن يحتمي هؤلاء داخل مدنهم، كي يتمكنوا من إنزال ضرباتهم بالعدو الذي سيجد نفسه مضطرا إلى التشتت في أنحاء المدينة التي لا يعرف الكثير عن منعطفاتها وزواياها، هذا فضلا عن أن قتالا كهذا سيتيح حتى للنساء والأطفال أن يشاركوا في القتال، إلا أن المسلمين الذين فاتهم شرف القتال في بدر، وخاصة الشباب منهم ألحوا بالخروج وقالوا: يا رسول الله أخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرونا أنا جبنّا عنهم وضعفنا!! وأيد عبد الله بن أبي- زعيم المنافقين-، غير صادق، رأي الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما ألح عدد من كبار الصحابة على الخروج قائلين: إنا نخشى يا رسول الله أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج جبنا عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل فظفرك الله عليهم ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا اليوم، وندعو الله به، فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا ... وقال مالك بن سنان: يا رسول الله نحن والله بين إحدى الحسنيين، إما أن يظفرنا الله بهم، أو يرزقنا الشهادة. وقال حمزة: والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي هذا خارجا من المدينة. وقال النعمان ابن مالك أخو بني سالم: يا رسول الله لم تحرمنا الجنة؟ فو الذي لا إله إلا هو لأدخلنها.
سأل الرسول صلى الله عليه وسلم بم؟ قال: إني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف.
فقال الرسول: صدقت. وقال أياس بن أوس: يا رسول الله، نحن بنو عبد الأشهل نرجو أن نذبح ويذبح فينا فنصير إلى الجنة ويصيرون إلى النار مع أني يا رسول لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها فيقولون: حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها فيكون هذا جرأة لقريش. وقال عبد الله بن جحش: اللهم إني أسألك أن ألقى العدو غدا، فيقتلوني، ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني وتسألني فيم ذلك، فأقول فيك «١» .