عشرة سنة من الجهد والعذاب للضياع ... فرأى أن يتخذ من مكان قيادته مركزا يتجمع المسلمون فيه ثانية كي لا يتبعثروا وينفرد المشركون بهم ويحيلوا نصرهم إلى عملية إبادة شاملة، فاتجه صوب الشعب يصحبه أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وجماعة من المسلمين بلغوا ثلاثين رجلا، بينما كان الآخرون قد تشتتوا في أطراف الميدان، وعاد بعضهم إلى المدينة. ورأت طائفة أخرى أن يبعثوا إلى عبد الله بن أبي كي يطلب الأمان لهم من أبي سفيان وقالوا: يا قوم، إن محمدا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، فاعترض أنس بن النضر:
يا قوم إن كان محمد قد قتل، فإن رب محمد لم يقتل فقاتلوا ما قاتل عليه محمد، اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، ثم شد بسيفه وقاتل حتى قتل.
وراح الرسول صلى الله عليه وسلم يقاتل، حتى صارت قوسه شظايا، ويقاتل معه أصحابه المحيطون به، قتالا بطوليا مريرا، تساقط منهم خلاله الكثير وهم ينافحون عن نبيهم ودعوتهم. وقف ستة رجال من الأنصار، يدافعون عنه صلى الله عليه وسلم ويقتلون دونه وكان آخرهم رجل يسمى زياد بن السكن، أصابه جرح مميت فنادى الرسول صلى الله عليه وسلم ادنوه مني فأدنوه منه فوسده قدمه وبه أربعة عشر جرحا، فمات هناك. ورمى سعد ابن أبي وقاص، دون الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول يناوله النبل ويقول: فداك أبي وأمي.
وترّس أبو دجانة بنفسه دون الرسول صلى الله عليه وسلم يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل، وخلص بعض المشركين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعتزمون قتله، وانهالت الحجارة عليه ... فأصيبت رباعيته، وجرح وجهه وكلمات شفته، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يمسح الدم ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ ... وما لبث أن أدركه أبي ابن خلف وهو يقول: أي محمد لا نجوت إن نجوت! فقال القوم: يا رسول الله أيعطف عليه رجل منها؟ فقال: دعوه، وتناول حربته واستقبل بها غريمه وقذفه بها فاستقرت في عنقه فسقط عن فرسه يتلوى ومات في عودته إلى مكة «١» ، وأقبل الحباب بن المنذر يصيح يا آل سلمى فأقبلوا كتلة واحدة وهم يهتفون لبيك داعي الله لبيك، وترتفع حناجرهم بشعار
(١) ابن هشام ص ١٨١- ١٨٤ الطبري: تاريخ ٢/ ٥١٤- ٥١٩ ابن سعد ٢/ ١/ ٢٩ الواقدي ١/ ٢٣٩- ٢٦٢ البلاذري: أنساب ١/ ٣١٨- ٣٢١.