القوى الآخرى المضادة للإسلام كاليهود الذين تكتلوا في خيبر والمواقع المجاورة له، والبيزنطيين وحلفائهم العرب الذين ازداد تكالبهم في الجهات الشمالية بازدياد نشاط الإسلام هناك، فضلا عن التجمعات القبلية البدوية المنتشرة في الصحراء والتي كانت تنتظر الفرصة السانحة لإنزال الضربات بأتباعه. وها هو الرسول وقد فصم عقدها بهدنته مع زعيمتها قريش يوجه إليها السرايا تلو السرايا طيلة السنة السابعة ليصدها عن المضي فيما تبتغيه وليشعرها بمقدرة المسلمين على العقاب!
خرج عمر بن الخطاب على رأس ثلاثين رجلا إلى إحدى قبائل هوازن، وكان يسير برجاله ليلا ويكمن نهارا، وما إن سمع أعداؤه خبر هجومه المباغت حتى فروا فقفل عائدا ولم يلق كيدا. وخرج أبو بكر الصديق إلى نجد، وبشير بن سعد إلى بني مرّة على رأس ثلاثين رجلا أصيب بعضهم فاضطر إلى العودة إلى المدينة، وانطلق غالب بن عبد الله، يقود مائة وثلاثين رجلا إلى بني عبد بن ثعلبة فأغاروا عليهم واستاقوا نعمهم وعادوا بها إلى المدينة، وما لبث بشير بن سعد أن خرج ثانية على رأس سرية أخرى للهجوم على بعض القبائل من غطفان بدأت تتحرك للهجوم على المسلمين، فباغتها سعد واستاق نعمها «١» .
وطيلة الأشهر الأولى من السنة التالية استمرت السرايا الإسلامية تغادر المدينة منطلقة إلى أهدافها التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحددها لها في قلب الصحراء..
خرج غالب بن عبد الله الليثي ليغير على بني الملوح بمنطقة تدعى الكديد.
ويحدثنا أحد أبطال السرية فيقول: «.. نزلنا بطن كديد بعد العصر، فبعثني أصحابي ربيئة، فعمدت إلى تل يطلعني على الحيّ، فانبطحت عليه، قبيل المغرب، فخرج منهم رجل فنظر فرآني منبطحا على التل فقال لامرأته: والله إني لأرى على هذا التل سوادا ما كنت رأيته أول النهار، فانظري لا تكون الكلاب جرت بعض أوعيتك! فنظرت فقالت: والله ما فقدت شيئا. قال: فناوليني قوسي فناولته، فرماني بسهم فوضعه في جنبي، فنزعته فوضعته، ولم أتحرك، ثم رماني بالآخر فوضعه في رأس منكبي فنزعته فوضعته ولم أتحرك. فقال الرجل: أما والله لقد خالطه سهماي ولو كان طليعة لتحرك. وأمهلناهم حتى إذا سكنوا وذهبت
(١) الطبري ٣/ ٢٢- ٢٣ ابن سعد ٢/ ١/ ٨٥- ٨٧ الواقدي ٢/ ٧٢٢- ٧٣١ المسعودي التنبيه ص ٢٢٧.