للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورقاء وقد خرجا فيمن خرج من زعماء قريش يتحسسان الأخبار: ما رأيت نيرانا قط ولا عسكرا بهذا الشكل، فيجيبه بديل: هذه والله خزاعة قد حمشتها «أحرقتها» الحرب، فيرد أبو سفيان: خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها! فتقدم العباس إليهما وأعلمهما حقيقة الخبر وأردف أبا سفيان وراءه في محاولة لاستئمان الرسول صلى الله عليه وسلم إياه، أما صاحبه فقد قفل عائدا، ولمحهما عمر بن الخطاب وهما يجتازان معسكرات المسلمين فانطلق إلى الرسول قائلا: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه، إلا أن العباس سرعان ما أعلن جواره له. ولما رأى عمر يلح على قتله قال له: مهلا يا عمر فو الله إن لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف. فأجابه عمر: مهلا يا عباس فلإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم! وأصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمره إلى عمه أن يذهب بأبي سفيان إلى رحله فإذا أصبح أتاه به، وفي الصباح جيء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟

قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد!!

استمر الرسول: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟

قال: بأبي أنت وأمي.. أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا. فقال له العباس: ويحك أسلم واشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك. عند ذاك أعلن أبو سفيان إسلامه. وأراد الرسول أن يتخذ منه مفتاح أمان يفتح أمامه الطريق إلى مكة دون إراقة الدماء ويكبت به روح المقاومة الوثنية المتعطشة للقتل والدماء، فأراد أن يشبع فيه عاطفة الفخر ويحقق هدفه عن هذا الطريق، فأعلن أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن. وبذلك سعى الرسول إلى تنفيذ أسلوب (منع التجول) لكي يتمكن من دخول مكة بأقل قدر من الاشتباكات والاستفزازات وإراقة الدماء.

وجعل لدار أبي سفيان مكانة خاصة كي يكون ساعده في إقناع المكيين بالسلم والهدء. ولم يكتف الرسول بذلك بل أمر العباس أن يحجز أبا سفيان عند مدخل المضيق الذي ستنساب منه قوات المسلمين في طريقها إلى مكة فيراها رأي

<<  <   >  >>