للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعث الآخرى إلى شاعره حسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن «١» . وكان من حصيلة هذه الزيجات المباركة والمواقف الطيبة، تعاطف أكثر لأصهار الرسول صلى الله عليه وسلم الأقباط مع المسلمين، وتعاون صادق مع فاتحيهم وهم يتحركون على أرض مصر لإسقاط الحكم البيزنطي وتحرير المصريين من تعسفه وتعصبه وجوره «٢» .

ويلاحظ أن كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصر يستهل بهذه العبارة «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط..» «٣» . وهنا يجب أن نقف قليلا عند شخصية المقوقس هذا الذي تعرفه الرواية الإسلامية دائما بأنه عظيم القبط. فقد كانت مصر يومئذ ولاية رومانية تخضع لقيصر قسطنطينية، ولم يكن لأهلها القبط أي نوع من الاستقلال. ولم تكن هذه الحقيقة مجهولة في المدينة حيث تدل كتب النبي ورسائله على أن الأحداث والأوضاع السياسية التي كانت تسود الجزيرة العربية وما يجاورها من الممالك كانت معروفة من النبي وصحبه. وقد كان حاكم مصر الروماني في الوقت الذي نتحدث عنه هو الحبر كيروس، وهو في نفس الوقت حاكم مصر وبطريقها الأكبر، وقد استطاع البحث الحديث أن يلقي كثيرا من الضياء على شخصية المقوقس وأن يتعرف فيها على شخصية كيروس نفسه. وإذن فالمرجح أن المقوقس الذي تردد الرواية العربية اسمه إنما هو كيروس حاكم مصر الروماني «٤» . ومما يؤيد هذه الحقيقة أن السفير النبوي قصد إلى الإسكندرية ليؤدي مهمته، وقد كانت الإسكندرية يومئذ مقر الحاكم العام الروماني «٥» .


(١) ابن سعد ١/ ٢/ ١٦- ١٧، الطبري: تاريخ ٣/ ٢١- ٢٢، الغزالي: فقه السيرة ص ٣٨٧، وانظر محمد حميد الله: الوثائق ص ١٣٥- ١٣٨.
(٢) يمكن الرجوع في هذا المجال إلى كتابي: بتلر (فتح العرب لمصر) وتوماس أرنولد (الدعوة إلى الإسلام) .
(٣) راجع نص الكتاب في أخبار مصر لابن عبد الحكم ص ٤٦ وصبح الأعشى للقلقشندي ٦/ ٣٧٧.
(٤) انظر بتلر: فتح العرب لمصر ص ١٢٦، ٤٤٤ وما بعدها.
(٥) محمد عبد الله عنان: مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام ص ٢٠٤- ٢٠٥ وهوامشهما. ويشكك عبد الحميد بخيت (عصر الخلفاء الراشدين ص ٥٤٣- ٥٤٤) دون دليل مقنع بصحة النتيجة التي توصل إليها بتلر ونقلها عنه عنان، فيقول: «حاول ألفريد بتلر أن يحل بعض المشكلات المتعلقة بشخصية المقوقس فلم يخرج إلا بنتيجة واحدة قبلها الناس زمانا ولكنها الآن موضع شك كبير، ونعني بذلك قوله إن المقوقس هو قيرس (كيروس) ولم يستند في ذلك القول إلا على عبارات تحتمل أكثر من تفسير وجدها عند ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين ... ولو أن المقوقس هذا كان قيرس بالذات لذكرت ذلك المراجع العربية أو واحد منها على الأقل» وانظر: تاريخ الحضارة المصرية عدد ٥ من المجلد الثاني ص ٣٢٥.

<<  <   >  >>