المسلمين فقال: يا رسول الله إن هذا رجل يمشي على الطريق وحده، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم بحدسه العميق: كن أبا ذر، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده)«١» .
وهنالك من أبطأت بهم نياتهم عن الاستجابة للنداء، ولكن من وراء نياتهم وأفعالهم الظاهرة هذه قلوب يعمرها الإيمان والرغبة في العطاء والندم العميق على أي تهاون أو تفريط. ومن منا لم يسمع قصة الثلاثة المخلفين: كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية؟!
قال كعب بن مالك، فيما رواه البخاري:«لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك ... حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، فأقول في نفسي أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجدّ.. ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا ... وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت بهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا ممن عذر الله تعالى من الضعفاء» ..
«فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي فطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه فأجمعت صدقه. وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى. فجئته فلما سلمت عليه تبسّم تبسم المغضب ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلت: بلى والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد