على ضرورة دخولهم الدين الجديد، إن أرادوا الحفاظ على جوهر يهوديتهم التي حملها موسى إلى بني إسرائيل، وعندما راحت آيات القرآن الكريم تنزل سخطها وغضبها على ما يمارسه اليهود بحق دينهم وكتبهم من تزييف وتحريف من أجل أن يحموا مصالحهم ويضيفوا إلى أموالهم أموالا. أضف إلى ذلك ما كان يلقاه الإسلام من انتشار متزايد في يثرب وأطرافها، الأمر الذي كان يعني عزل اليهود والحد من نشاطهم الديني والاقتصادي على السواء، فضلا عن الوحدة العميقة التي أنشأها الإسلام بين الأوس والخزرج وسدّ بها الطريق على اليهود واستغلالهم الفاجر للصراع الدامي بين الحيين.
وبدأ يتضح لليهود، يوما بعد يوم، المصدر الأساسي للخطر الذي تشكله الدعوة الجديدة بمواجهة اليهودية.. إن النبي يدعو إلى (توحيد) غير الذي يؤمن به اليهود، على أساس قومي استعلائي مغلق، من أن الله الواحد هو إله إسرائيل الذي اختارهم لنفسه من دون الناس، وبذلك كانوا يرون لأنفسهم ميزة على الناس وكانت أمنيتهم دوما أن يجدوا من يأتي بما يهوون من سيطرة ونفوذ لا بما تتطلبه الدعوة من إصلاح وخير يعم الناس جميعا، ومن أجل ذلك كذبوا أنبياءهم وحاربوا المسيح عليه السلام وسعوا إلى قتله، فإذا ما جاء محمد فدعا إلى هذا الإله الواحد للناس جميعا، بغضّ النظر عن أجناسهم، فإنه بذلك يزيل عن بني إسرائيل هذه الميزة التي يستفتحون بها على الآخرين، وإذن فلا تهادن بينهم وبين محمد الذي يسعى إلى تحطيم تلك القواعد المقررة التي سار عليها اليهود، فقامت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم محاجات ومجادلات ما لبثت أن اتخذت من جانبهم موقف التحدي والمعاندة، بل إنهم اندفعوا في عدائهم فتورطوا في تفضيل الأصنام على التوحيد «١» .
ورغم أن ولفنسون أكد على خطورة مبدأ (التوحيد) الإسلامي وعالميته إزاء «العقلية اليهودية التي لا تلين أمام شيء يزحزحها عن دينها، وتأبى أن تعترف بأن يوجد نبي من غير بني إسرائيل» ، إلا أنه يقع في خطأ القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو لم يكلف اليهود الاعتراف برسالته، ولو وقفت تعاليمه عند حد محاربة الوثنية فحسب، لما وقع نزاع بينهم وبين المسلمين، ولكانوا قد نظروا بعين ملؤها