للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي يحتاجونها في القتال حتى يستطيعوا الصمود في حصارهم أطول مدة ممكنة.

ولكن إسراع الرسول لتطويقهم حال بين اليهود وبين كل ذلك، إذ لم يكن اليهود يعلمون بالموعد الأكيد لانسحاب الأحزاب ليسبقوا النظر في إعداد كافة متطلبات القتال المتوقع ضد المسلمين، بل إن حركة المسلمين السريعة لم تترك لهم الوقت الكافي لتنظيم خطة دفاعية عن حصونهم، كما لم تترك لهم الوقت الكافي لتنظيم أي خطة على الإطلاق.. كما أن حركة المسلمين مبكرا شلّت معنويات اليهود وقضت على روح المقاومة فيهم «١» .

ومما يزيد في قيمة حرص المسلمين على المحافظة على الوقت أن ظروفهم لم تكن حسنة بعد انسحاب الأحزاب، لقد كانوا منهوكي القوى لسهرهم على حراسة مواضعهم مدة حوالي شهر في موقف عصيب يحطم أعصاب الشجعان، وكان الطقس باردا وقد تحملوا البرد في العراء وقتا طويلا أثناء حصارهم فلما انسحبت الأحزاب آن لهم أن ينالوا بعض الدفء في بيوتهم القريبة. وكانت قضاياهم الإدارية بشكل لا يحسدون عليه، إذ ما هي إمكانيات إعاشتهم مثلا وهي أهم ما يديم قوة المقاتلين؟ إن عدم اكتراث المسلمين بكل هذه المشاكل لغرض الإسراع بتطويق حصون بني قريظة يدعو إلى الإعجاب والتقدير «٢» .

استمر الحصار خمسا وعشرين ليلة وبدأ الرعب يتسرب إلى قلوب اليهود، وأدركوا ألا قدرة لهم على الصمود حتى النهاية. ولما أيقن زعيمهم كعب بن أسد أن الرسول صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى ينزل بهم عقابه، عرض على قومه حلولا عدة علها تخلصهم من المأزق الذي أوقعوا أنفسهم فيه فقال: يا معشر يهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم. قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه، فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل، وأنه للذي تجدونه في كتابكم، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره. قال: إذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف، لم نترك وراءنا ثقلا، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا


(١) شيت خطاب: الرسول القائد ص ١٦٧.
(٢) المرجع السابق، ص ١٦٨.

<<  <   >  >>