للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهيئته وأموره، فجعل محمد يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفاته.. فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابن أخي..

قال: ما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به. قال بحيرى صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنّه شرا فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم «١» .

كان محمد صلى الله عليه وسلم قد قام منذ صباه- لمساعدة عمه الفقير كثير العيال- برعي الأغنام لأهله وأهل مكة، كما قام بأعمال أخرى.. ولكن الرعي وهذه المساعدات لم تفده وقد بلغ هذا العمر، ولهذا كان أبو طالب يفكر في رزق يسوقه الله إليه يكون فيه أمن وطمأنينة له وكان ذلك عن طريق البيع والشراء والتجارة على عادة أغلب أهل مكة في ذلك العهد، وقد تكسّب محمد بالاشتغال بالبيع والشراء مستقلا بأعماله أحيانا ومشتركا مع غيره أحيانا أخرى.. وقد تاجر بشراء البزّ وبيعه يشتريه من سوق حباشة، على طريق اليمن، وهي سوق مشهورة لبيع هذه البضاعة، ويبيعه في مكة.. وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمانة والصدق في المعاملة، ولكنه لم يكسب من عمله في البيع والشراء مالا يذكر ولا ثروة تساعده وتساعد عمه أبا طالب في تمشية أموره.. لذا عرض عليه عمه أن يسهم في تجارة خديجة علها تدر عليه ربحا «٢» . وورد في بعض كتب السير «٣» أن محمدا قام لخديجة بسفرة أو سفرتين أو أربع سفرات إلى اليمن، إلى سوق حباشة أو إلى جرش، وذلك قبل قيامه بسفرته المشهورة إلى بصرى.. وأن خديجة دفعت له بعيرا عن كل سفرة قام بها إلى اليمن وأربع بكرات عن سفرته إلى بلاد الشام «٤» .


(١) ابن هشام ص ٣٤- ٣٦ الطبري: تاريخ ٢/ ٢٧٧- ٢٧٩ ابن سعد ١/ ١/ ٧٦ البلاذري: أنساب ١/ ٩٦- ٩٧ المسعودي: مروج ٢/ ٢٨٦ ابن الأثير: الكامل ٢/ ٣٧- ٣٨ ابن كثير: البداية والنهاية ٢/ ٢٨٣- ٢٨٦ المقدسي: البدء والتاريخ..Caetani:Op.cit ;١ -١٦٠ ١٣٤ /٤ ولم يقف إزاء الرواية ناقدا ممحصا سوى ابن سيد الناس في (عيون الأثر) ص ٤٣ (مكتبة القدس، القاهرة ١٣٥٦ هـ) والذهبي في (تاريخ الإسلام) ١/ ٣٨، ٣٩ (مكتبة القدس القاهرة) انظر بحث (تحقيق قصة بحيرى) للدكتور محسن عبد الحميد (مجلة الجامعة، عدد ٤ سنة ٩ ص ٦٩- ٧٣) وسوف نرجع إلى هذه الرواية كرة أخرى لدى الحديث عن العلاقات بين الإسلام والجبهة البيزنطية- النصرانية. (انظر ص ٢٧١- ٢٧٢) .
(٢) جواد علي ص ١٠٩- ١١٠.
(٣) إمتاع الأسماع، السيرة الحلبية، الروض الأنف، عيون الأثر ...
(٤) جواد علي ص ١١٢.

<<  <   >  >>