للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن اليهود تناسوا، بعد قليل، هذه المواقف السمحة، العادلة إزاءهم، وسعوا إلى الثأر لأنفسهم كلما سنحت الفرصة لهم بذلك. كانت أولى المحاولات ما تم على يد زينب ابنة الحارث، زوجة سلام بن مشكم، إذ أهدت للرسول شاة مشوية نثرت فيها السم، فلما مضغ من ذراعها مضغة لم يسغها ولفظها قائلا: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم. وكان بشر بن البراء قد أكل هو الآخر فمات بعد قليل، وجيء بالجانية فاعترفت وقالت للرسول صلى الله عليه وسلم: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكا استرحت منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فتجاوز عنها الرسول «١» وقيل إنه قتلها «٢» . ويذكر الواقدي «٣» وعدد آخر من المؤرخين أن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي جاءت بعد ثلاث سنوات كانت بسبب السم الذي دسّ له يوم خيبر «٤» ، وهو احتمال ضعيف بعد مرور هذه المدة الطويلة.

بعد فترة قصيرة قام يهود خيبر باغتيال عبد الله بن سهل الأنصاري، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه، من بعده، أبقياهم على ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد اشترط عليهم، سيما وأنهما- كما يقول ابن سعد- لم يكن لهما من العمال ما يكفون عمل الأرض «٥» . وعندما تولى عمر رضي الله عنه الخلافة وبلغته أنباء اغتيال المسلم من قبل يهود خيبر واعتدائهم على عبد الله بن عمر، وكثر عمال المسلمين وتقووا على استثمار الأرض، وتنفيذا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يوم وفاته:

ألا يجتمع في جزيرة العرب دينان، أصدر إنذاره إلى يهود خيبر «إن من كان عنده عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأتني به أنفذه له، ومن لم يكن عنده عهد فليتجهز للجلاء، ومن ثم قام بإجلاء عدد من يهود خيبر وقسم أموالهم على المسلمين «٦» .


(١) ابن هشام، ص ٢٦٤- ٢٦٥، الطبري: تاريخ ٣/ ١٥- ١٦، الواقدي ٢/ ٦٧٧- ٦٧٩.
(٢) ابن سعد ٢/ ١/ ٧٨.
(٣) المغازي، ٢/ ٦٧٨- ٦٧٩.
(٤) انظر المسعودي: الإشراف والتنبيه ص ٢٢٣- ٢٢٤.
(٥) الطبقات الكبرى: ٢/ ١/ ٨٢- ٨٣.
(٦) الواقدي ٢/ ٧١٣- ٧٢١، ابن سعد ٢/ ١/ ٨٣، الطبري: تاريخ ٣/ ٢٠- ٢١، البلاذري: فتوح ١/ ٢٥، ٢٧، ٢٨، ٣١، ٤٠. ويذكر ولفنسون (تاريخ اليهود ص ١٨٣) أن عمر (رضي الله عنه) لم يتعرض ليهود وادي القرى وتيماء بسوء وأنه يؤخذ من هذا أن أهاليها كان لهم عقد خاص لم يسمح للخليفة بإخراجهم من بلادهم. كما يذكر أنه بقيت الأغلبية لليهود في وادي القرى إلى القرن الحادي عشر، وكذلك وجدت طوائف منهم في جهات تيماء في الثاني عشر ... أما في بلاد اليمن فقد بقي اليهود طوال العصور القديمة ولم يزل لهم وجود في جهات مختلفة من أطراف الجزيرة إلى أيامنا هذه (المصدر السابق ص ١٨٦) وعن

<<  <   >  >>