فإذا عرف طالب العلم بالتلقي صحة النطق في قوله {فسقى} حتى يكون من السقى لا من الفقس، وفي قوله {وساء لهم} حتى يكون من السوء لا من المساءلة، إذا عرف الطالب المبتدئ ذلك لم يحتج في فهم النبر إلى هذا المثال الذي وضعوه، وهو (ذاكر الدرس) لأمر المخاطب المفرد، (ذاكرى الدرس) لأمر المخاطبة المفردة، فمثل هذا المثال ينبغي أن يظل في دائرة التوضيح والتقريب. أما القاعدة فواجب أن تستند إلى النص العالي الموثق الذي لا يرد ولا يدفع.
على أن هذا (النبر) إنما تحتاج إليه بعض اللغات الأجنبية، لأنه عندهم ذو خطر، وتختلف به المعاني اختلافاً ظاهراً - وليس هذا المكان موضع تفصيله - أما في لساننا العربي، فالأداء الصحيح قد انتقل إلينا بالتلقي المضبوط المتواتر، الذي لا يضل ولا يزيغ (١) ، وقد حمله قراء القرآن الكريم بأمانة والتزام، فمن أراده فليلتمسه عندهم لا عند غيرهم.
ثم ترتفع الشكوى في هذه الأيام عن محنة اللغة العربية، وغربتها، وتدني مستواها، على ألسنة الخطباء، وكتابات الكتاب، وأخذ الباكون في النحيب والعويل على أيامنا التي سلفت، وذهب الشاكون في تعليل ذلك كل مذهب وردوا الأمر رداً غير صحيح.
وأصل الداء عند سبب واحد: ماذا يتلقى طالب العربية الآن في كليات اللغة العربية وأقسامها بالجامعات؟ أمشاج من قواعد النحو
(١) وما خرج عن هذا الأداء الصحيح، فهو من باب الخطأ الصريح الذي يرفض ولا يوقف عنده بتقنين أو تقعيد، كالذي يلحن في كلامه، أو يقرأ شعراً أو يكتبه غير موزون.