وآدابها ومعارفها، وتبوءُ بإثمه مناهج الدراسة في جامعاتنا العربية، التي لا تكاد تعنى بإبراز هذا الجانب وتجليته، إلى أسباب أخرى من القهر والمسخ والتشويه، وتفريغ العقول التي يتعرض لها أبناؤنا فيما يقرأون وفيما يسمعون.
نعم، لقد تعرض أبناء هذا الجيل لسيل طاغ وموجات متلاحقة، من التشكيك في ثراتهم وأيامهم: فالشعر الجاهلي غموض وانتحال، وتفسير القرآن مشحون بالإسرائيليات، والحديث ملئ بالوضع والضعف، والنحو تعقيد وتأويلات، والصرف فروض ومتاهات، والبلاغة تكلف وأصباغ، والعروض قيود ودوائر تدير الرأس، والتاريخ صنع للحكام والملوك، ولم يرصد نبض الشعوب وأشواقها (١) .
ومن وراء ذلك كله، فاللغة العربية عاجزة عن مسايرة ركب الحضارة؛ لقصورها عن التعبير عن العلوم التطبيقية والكونية؛ لأنها لغة شعر وبيان.
يسمع أبناؤنا هذا كله عالياً مدويا، وتتجاوب أصداؤه المترنحة من أحلاس المقاهى، إلى قاعات الدرس الجامعي، ولا يستطيع الشباب لذلك دفعاً ولا رداً؛ لغرارتهم وجهلهم وقلة حيلتهم؛ ولأن كل هذه السموم إنما تساق في ثياب مزركشة، من المنهجية والموضوعية، والتفكير العلمي، وحركة التاريخ، والموقف الحضاري، والشمولية. ولا يعرف أثر هذه الألفاظ الغامضة المبهمة إلا من ابتلى بشرها، وصلى جمرتها،
(١) وبمثل هذه الألفاظ الخادعة البراقة يستميلون الشباب، ويوقعونهم في قرار مظلم من الافتتان الكاذب، والشك الموبق.