ذهب أهل الحديث إلى ان التسلسل جائز في الماضي كما أنه جائز في المستقبل، واستدلوا على ذلك بالكتاب وأقوال السلف والمعقول.
أولاً: الكتاب:
استدلوا بقوله تعالى {فعال لما يريد} فالآية تدل على أمور:
أحدها: أنه تعالى يفعل بإرادته ومشيئته.
الثاني: أنه لم يزل كذلك، لأنه ساق ذلك في معرض المدح والثناء على نفسه، وأن ذلك من كماله سبحانه، ولا يجوز أن يكون عادماً لهذا الكمال في وقت من الأوقات، وقد قال تعالى:{أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون}[النحل: ١٧] ولما كان من أوصاف كماله ونعوت جلاله، لم يكن حادثاً بعد أن لم يكن.
الثالث: أنه إذا أراد شيئاً فعله، فإن " ما " موصولة عامة، أي: يفعل كل ما يريد أن يفعله، وهذا في إرادته المتعلقة بفعله، وأما إرادته المتعلقة بفعل العبد، فتلك لها شأن آخر؛ فإن أراد فعل العبد، ولم يرد من نفسه أن يعينه عليه ويجعله فاعلاً، لم يوجد الفعل، وإن أراده حتى يريد من نفسه أن يجعله فاعلاً وجد الفعل. وهذه هي النكتة التي خفيت على القدرية والجبرية، وخبطوا في مسألة القدر، لغفلتهم عنها، وفرق بين إرادته أن يفعل العبد، وإرادة أن يجعله فاعلاً.